قال: فأعتق ما يملك وطلق ما يطأ طلاق الحرج والسنة وصدّق بما حوى وعليه ثلاثون حجة مع ثلاثين نذراً يبلغ به الكعبة إن لم يكن أبوه على طلب سكّر طبرزد فلم يوجد في خزانته ولم يكن وقتاً يوجد فيه سكّر ولا يُقدر على ابتياع شيء منه. فقال: فيم يصلح للخزانة التي ليس فيها سكر؟ ثم قال: الحمد لله رب العالمين ولا أقول إنا لله وإنا إليه راجعون وإن كانت المصيبة لأن ذلك إنما يقال عند المصائب في الأنفس ولكني أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء كما حمده الشاكرون وأنا أرجو أن أكون منهم. ثم أقبل على الخازن فقال: ادع الوكيل. فدعاه. فقال: ما منعك إذ فني السكّر أن يُشترى لنا سكر؟ قال: لم يعلمني الخازن. فقال للخازن: لم لم تعلمه؟ قال: كنت على أن أعلمه. قال: ما ههنا شيء هو أبلغ في عقوبتكما من أن أقوم على إحدى رجلي وأن لا أضع الأخرى ولا أراوح بينهما حتى تحضروني ألف منّ سكّر طبرزد ليس بمضرس ولا وسخ ولا لين المكسر ولا بمحدث الصنعة ولا معوّج القالب. ثم وثب فقال: يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً، والله والله لا أزال قائماً حتى أوفي بنذري. قال: فتبادر غلمانه ومواليه وبعض أولاده وعجائزه نحو السوق فواحد ينبه حارساً وآخر يرمي كلباً وآخر يفتج درباً وآخر يوقظ نائماً وآخر يدعو بائعاً والغلمان والجواري والجيران والسوقة والحرّاس في مثل صيحة يوم القيامة، ثم قال: يا قوم أما لي من أهلي مساعد؟ أين البنات العواتق والأبكار؟ أين اللواتي كنت أغذوهن بطيّب الطعام وليّن اللباس يسرحن فيما ادّعين من خفض العيش وغضارة الزهر؟ أين أمهات الأولاد اللواتي اعتقدن العقد النفيسة وملكن الرغائب بعد الحال الخسيسة؟ أين الأولاد الذكور الذين لهم نسعى ونحفد ونقوم ونقعد ولهم نروح ونغدو؟ فبادرت إليه بناته وأمهاتهن، فقامت واحدة منهن على ساق فقال: أحسنتنّ أحسن الله جزاءكن، لمثل هذا أردتكن. ولاحظ الكبرى من بناته وآخر من بنيه وهما يراوحان بين أقدامهما، فقال: يا فلانة تراوحين ولا أراوح، صدق الله جل وعز وبلّغ رسوله، عليه وعلى آله السلام، حيث يقول:" إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم "، حذرني ربي جل وتعالى منكم.
ثم قال: علي بن صالح ليس في خزانته سكر طبرزد وجائزته من أمير المؤمنين ألف ألف درهم وضيعته بالنهروان تغلّ ثلاثمائة ألف درهم وضيعته بالكوفة المعروفة بالمغيرة من أنبل ضيعة ما ملك مثلها أحد بسطوح الدسكرة ولولا أن سعيداً السعدي، أراح الله منه، قطع شربها وعوّر مجاري مياهها حتى اندفنت أنهارها وقلت عمارتها إضراراً بنا وتعدياً علينا ما كان لأحد مثلها وعلى أن أكرتها ومزارعيها من أخابث خلق الله، والله والله لو أمكنهم أن يقطعوا الحاصل وحاصل الحاصل ما أعطونا من ذلك شيئاً، ومن أخبرك أن الضيعة لرب الضيعة فقل له كذبت لا أم لك، الضيعة ثلاث أثلاث: فثلث للسلطان وثلث للوكيل وثلث للأكّار، وإنما يأتي رب الضيعة صبابة كصبابة الإناء ومخّة كمخة عرقوب، يجني الأكار وقت الدياس فيمرّ بهم الأبرمذ هذا يذبح له وهذا يخبز له وهذا يسقيه النبيذ، وما نبيذهم إلا العكر الأسود ووضر الدنس وماء الأكشوت، قبح الله ذلك شرباً ما أنغله للجوف وأضره بالأعلاق النفيسة، ثم يأتي وقت الكيل فمن بين رقّام، رقم الله جلبابه وأعد له الهوان، ومن بين كيال، جعل الله له الويل لقوله جل وعز: ويلٌ للمطففين ما يبالي أحد منهم على ما يقدم، لقد سمعت أمير المؤمنين يسأل قضاته وكلهم بالحضرة: هل عدلتم كيّالاً قط؟ فكلهم يقول: لا، فإن أطعموا الجداء الرضّع ونقي الخبز من دستميسان ووهبت لهم الدراهم ظفر الأكّار بحاجته، فويل يومئذ لقبَّة السلطان ماذا يُحمل إليها من القشب والقصل والمدر والزوان ويحشى فيها التبن.