للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن الأعرابي وسأله حماد عن قوله: ما تعيف القوم في الطير الروح؟ فقال: تطيّر الأعشى من مرض إياس إلى الزجر والفأل فقال لنفسه ما تعيف منه، أي ما تكره منه، وهو آخر أمره إلى السلامة، فرجع قيصر وقد اتهم شهربراز فلم يزل به حتى أمكنته الفرصة منه فقتله وعامة رجاله وأفناهم.

قيل: ولما تشاغل عبد الملك بن مروان بمقاتلة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه الروم إلى ملكهم وقالوا له: قد أمكنتك الفرصة من العرب فقد تشاغل بعضهم ببعض ووقع بأسهم بينهم فالرأي أن تغزوهم في بلادهم فإنك تذلهم وتنال حاجتك منهم، فنهاهم عن ذلك فأبوا عليه إلا أن يفعل، فلما رأى ذلك دعا بكلبين فأرّش بينهما فاقتتلا قتالاً شديداً ثم دعا بثعلب فخلاّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال ملك الروم: هكذا العرب تقتتل بينها فإذا رأونا وهم مجتمعون تركوا ذلك وأقبلوا علينا، فعرفوا صدقه ورجعوا عما كانوا عليه.

وعن بكّار بن ماهويه قال: قال كسرى أبرويز لمنجمه: كيف يكون أجلي؟ فقيل له: تقتل. فقال: والله لأقتلن قاتلي! فأمر بسم فخلط في أدوية وكتب عليه: هذا دواء الجماع من أخذ منه وزن كذا جامع كذا مرة، وصيّره في خزانة الطب، فلما قتله ابنه شيرويه فتّش خزانة أبيه فمرّ بذلك السم فقال في نفسه: بهذا كان يقوى أبي على الجماع وعلى شيرين وغيرها، فأخذ منه فمات من ساعته.

وعن الهيثم عن ابن عياش قال: كان الحجاج حسوداً لا تتم له صنيعة حتى يفسدها، فوجه عمارة بن تميم اللخمي إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فظفر به وصنع به ما صنع ورجع إلى الحجاج بالفتح فلم ير منه ما أحب وكره منافرته، وكان عاقلاً رفيقاً، فجعل يترفق به ويداريه ويقول: أنت أيها الأمير أشرف العرب فمن شرفته شرف ومن وضعته اتضع وما ينكر لك ذلك مع رفقك ويمنك ومشورتك ورأيك، وما كان هذا كله إلا بصنع الله عز وجل وتدبيرك، وليس أحد أشكر لصنيعك مني، ومَن ابن الأشعث وما خطره! حتى عزم الحجاج على المضي إلى عبد الملك فأخرج عمارة معه، فوفد عليه وعمارة يومئذٍ على أهل فلسطين أمير، فلم يزل يلطف بالحجاج في مسيره ويعظمه حتى قدموا على عبد الملك، فلما قامت الخطباء بين يديه وأثنت على الحجاج، قام عمارة فقال: يا أمير المؤمنين سل الحجاج عن طاعتي ومناصحتي وبلائي. فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين صنع وصنع، ومن بأسه ونجدته وعفافه ومكيدته كذا وكذا، هو أيمن الناس نقيبةً وأعلمهم بتدبير وسياسة، ولم يبق غاية في الثناء عليه. فقال عمارة: أرضيت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فرضي الله عنك، حتى قالها ثلاثاً في كلها يقول: قد رضيت، فقال عمارة: فلا رضي الله عن الحجاج يا أمير المؤمنين ولا حفظه ولا عافاه! فهو والله السيء التدبير الذي قد أفسد عليك أهل العراق وألّب عليك الناس، وما أُتيت إلا من قلة عقله وضعف رأيه وقلة بصره بالسياسة، ولك والله أمثالها إن لم تعزله! فقال الحجاج: مه يا عمارة! فقال: لا مه ولا كرامة يا أمير المؤمنين، كل امرأة له طالق وكل مملوك له حر إن سار تحت راية الحجاج أبداً! فقال عبد الملك: ما عندنا أوسع لك، فلما انصرف عمارة إلى منزله بعث إليه الحجاج وقال: أنا أعلم أنه ما خرج هذا عنك إلا معتبة ولك عندي الغنى ولك ولك. فأرسل إليه: ما كنت أظن أن عقلك على هذا. أرجع إليك بعد الذي كان من طعني وقولي عند أمير المؤمنين! لا ولا كرامة لك.

<<  <   >  >>