للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وافتتحنا كتابنا هذا بذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين الأبرار الأخيار، لما رجونا فيه من الفضل والبركة واليمن والتوفيق، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وإخوته من النبيين وآله الطيبين أجمعين، اختار الله من خير أرومات العرب عنصراً ومن أعلى ذوائب قريش فرعاً من أكرم عيدان قصي مجداً تم لم يزل بلطفه لنبيه، صلى الله عليه وسلم وآله، واختياره إياه بالآباء الأخائر والأمهات الطواهر حتى أخرجه في خير زمان وأفضل أوان، تفرّع من شجرة باسقة الندى، شامخة العلى، عربية الأصل، قرشية الأهل، منافية الأعطان، هاشمية الأغصان، ثمرتها القرآن، تندى بماء ينابيع العلم في رياض الحلم، لا يذوي عودها ولا تجفّ ثمرتها ولا يضلّ أهلها، أصلها ثابت وفرعها نابت، فيا لها من شجرة ناضرةٍ خضراء ناعمة غرست في جبل قفر وبلد وعر محل ضرعٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم وبلدك المكرّم فهو، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأخيار، كما قال بعض الحكماء: لئن كان سليمان، عليه السلام، أعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر لقد أعطي نبينا، صلى الله عليه وسلم، البُراق الذي هو أسرع من الريح، ولئن كان موسى، عليه السلام، أعطي حجراً تتفجر منه اثنتا عشرة عيناً لقد وضع أصابعه، عليه وعلى آله السلام، في الإناء والماء ينبع من بين أصابعه حتى ارتوى أصحابه، رضي الله عنهم، وما لهم من الخيل، ولقد كان رديف عمه أبي طالب بذي المجاز فقال: يا ابن أخي قد عطشت، فقال: عطشت يا عم؟ قال: نعم، فثنى وركه فنزل وضرب بقدمه الأرض فخرج الماء فقال: اشرب، فشرب حتى روي، ولئن كان عيسى، عليه السلام، أحيا النفس بإذن الله لقد رفع، صلى الله عليه وسلم، ذراعاً إلى فيه فأخبرته أنها مسمومة، وكان، صلى الله عليه وسلم، يخبر بما في الضمائر وما يأكلون فما يدخرون، ثم دعاؤه المستجاب الذي لا تأخير فيه، وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما لقي من قريش والعرب من شدة أذاهم له وتكذيبهم إياه واستعانتهم عليه بالأموال دعا أن تجدب بلادهم وأن يدخل الفقر بيوتهم، فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف! اللهم اشدد وطأتك على مضر! فأمسك الله عز وجل عنهم القطر حتى مات الشجر وذهب الثمر وقلت المراعي فماتت المواشي حتى اشتووا القد وأكلوا العِلهز، فعند ذلك وفد حاجب بن زرارة إلى كسرى يشكو إليه الجهد والأزْل ويستأذنه في رعي السواد وهو حين ضمن عن قومه وأرهنه قوسه، فلما أصاب مضر خاصة الجهد ونهكهم الأزل وبلغت الحجة مبلغها وانتهت الموعظة منتهاها دعا بفضله، صلى الله عليه وسلم، الذي كان نداهم به فسأل ربه عز وجل الخصب وإدرار الغيث فأتاهم منه ما هدم بيوتهم ومنعهم حوائجهم، فكلموه في ذلك فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فأمطر الله ما حولهم ودعا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، على المستهزئين بكتاب الله عز وجل، وكانوا اثني عشر رجلاً، فكفاه الله جل اسمه أمرهم، فقال: " إنا كفيناك المستهزئين "، وقصة عامر بن الطفيل ودعائه عليه، وناطقه، صلى الله عليه وسلم، ذئب، وأظلته غمامة، وحن إليه عود المنبر، وأطعم عسكراً من ثريدة في جسم قطاة، وسقى عامّاً ووضأهم من ميضأة جسم صاع، ورسوخ قوائم فرس سراقة بن جشعم في الأرض وإطلاقه له بعد إذ أخذ موثقه، ومَريه ضرع شاة حائل فعادت كالحامل، والتزاق الصخرة بيد أربد، وما أراه الله عز وجل أبا جهل حين أهوى بالصخرة نحو رأس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد فظهر له فحل ليلقم رأسه فرمى بالصخرة ورجع يشد إلى أصحابه قد انتقع لونه، فقالوا له: ما بالك؟ فقال: رأيت فحلاً لم أر مثله يريد هامتي.

<<  <   >  >>