وحدث أحمد بن علي الشيقي وغيره ممن ينزل بنهر المهدي قال: أقبل الفضل بن يحيى يوماً على نهر المهدي يريد منزله بباب الشماسية، فاستقبله فتىً من الأبناء قد أملك ومعه جماعة كثيرة قد ركبوا معه في السواد والسيوف، وهكذا كانوا يفعلون، يركبون مع الرجل عند إملاكه ويستعيرون الدواب ويسيرون خلفه ويطرّقون بين يديه، قال: فترجل الفتى للفضل وقبل يده ورجله، فسأله عن شأنه فأخبره، فقال: كم أصدقت أهلك؟ قال: أربعة آلاف درهم، فدعا قهرمانه وقال: احمل إليه الساعة أربعة آلاف درهم لصداق أهله وأربعة ألاف درهم لشراء منزل ينزله وأربعة آلاف درهم لنفقة تحويل أهله وأربعة آلاف للنفقة على الوليمة وأربعة آلاف درهم ليتصرف بها في معيشته، قال أحمد بن علي: فأشاروا على الفتى أن يسأله أن يأمر قوّاده وحشمه بإتيانه، فأمرهم بذلك فأتوه وجعلوا يطرحون العشرة الآلاف الدرهم والخمسة الآلاف الدرهم والأقل والأكثر في مجلسه حتى اجتمع له خمسون ألف درهم سوى ما أعطاه الفضل.
وحدث أحمد بن علي قال: حدثنا رجل من جيراننا أن الفضل بن يحيى مرّ به في يوم صائف منصرفاً من المدينة يريد منزله فقال الرجل: لا والله إن في منزلي قليل ولا كثير، فعطس الفضل، فقلت: يرحمك الله، وقد كان سمع يميني فأمر بعض غلمانه أن يحملني معه على دابته، فلما صار بي إلى قصره أخرج إليّ خمسة آلاف درهم وعشرة أثواب، فانصرفت بها إلى منزلي، فقالت لي امرأتي: والله لقد خرجت من عندنا وما تملك قليلاً ولا كثيراً، فمن أين سرقت هذا؟ قال: فأعلمتها القصة فلم تصدقني قولي واستراب الجيران بحالي وتناهى الخبر إلى السلطان فطمع فيّ وأخذني فحبسني، فقلت له: إنه كان من أمري كيت وكيت، فوقع خبري إلى الفضل فأمر بإحضاري، فلما أُحضرت ورآني عرفني وأمر بإطلاقي ووصلني بخمسة آلاف أخرى وبعشرة أثواب وقال: تعهد بما ننفعك، فلم يزل ينفعه حتى حدث من أمرهم ما حدث.
وعن أحمد بن محمد بن عبد الصمد أن رجلاً كان ينزل على نهر المهدي وكانت عليه نعمة فزالت فلم يقدر على شيء فمطر الناس ثلاثة أيام متتابعة فبقي في منزله لا يقدر على الخروج، فأضر به ذلك وأبلغ إليه الجوع وإلى عياله، فلما كان في آخر الليل جاء إلى البقال بقصعة له ليرهنها عنده على خبز، فانتهره البقال وقال: ما أصنع بهذه القصعة؟ وأبى أن يعطيه عليها شيئاً، قال: فعاد إلى منزله مغموماً لا حيلة له، فرفع يده إلى السماء وقال: اللهم سق إليّ في هذه الليلة عبداً من عبادك تحبه يفرج عني ما أمسيت فيه، فما شعرت إلا والباب يدقّ عليّ فإذا رجل على حمار قد حفّ به خدم، فقال لي: كم عيالك؟ قلت: كذا وكذا، فأعطاني كيساً قدرت أن فيه خمسة آلاف درهم، فقلت: الحمد لله الذي استجاب دعائي وفرج عني، فقال لي: وما كان قولك ودعاؤك؟ فخبّرته الخبر بصنيع البقال وما دعوت الله جل وعز به، فاستحلفني أني دعوت بهذا الدعاء، فحلفت له، فأمر لي بمائة ألف درهم، فسألت بعض أولئك الخدم عنه لأعلم هل يقدر على ما أمر لي به أم لا، فقال: هو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي، فسكتّ إلى ذلك وانصرفت إلى منزلي، ومضيت إلى قهرمانه لما أصبحت فقبضت منه المال.
وحدث خلف بن عمر المصري قال: كنا عند الفضل ذات ليلة فقال: أتعرفون رجلاً كانت عليه نعمة فزالت عنه حتى أردها عليه؟ فقال الأشعري، وكان قاضياً: أعرف، أصلحك الله، رجلاً شريفاً من آل خالد بن عبد الله القسري بالكوفة قد أضرت به الحاجة، وسماه له، فكتب إلى عامل الكوفة: احمل إليّ فلاناً على البريد فقد بعثت بجوازه، فلم يعلم الخالدي حتى حمله العامل على البريد ووجهه إليه، فلما قدم عليه دعاه وسأله عن حاله وأمر له بمائة ألف درهم وقال: أقم بها مروءتك حتى أنظر في أمرك وأدبر لك ما يصلح حالك، ثم ولاه كرمان، فصار إليها وحسنت حاله، ثم إن كتاب صاحب البريد بها ورد على الفضل بن يحيى بوفاة الكوفي فقال لنا: أتدرون ما قال الفارسي في مثل له؟ فذكر المثل بالفارسية ثم فسره بالعربية فقال: إلى أن يُدرك الحشيش قد مات الحمار، أردت بهذا الرجل الغنى فمات قبل ذلك، واغتم لوفاته ولما فاته من الإحسان إليه بعد الذي قد كان أعطاه وأكبسه من مرافق العمل الذي ولاه، وتقدم بحمل جميع ما خلّفه إلى أهله فحُمل إليهم.