بصريعِ الغواني كَانَ يمدحُ من دون الْخَلِيفَة وَكَانَ يَقُول إِن نَفسِي تذوب حسرات من أَن يحوي جوائز الْخُلَفَاء من لَا يقاربني فِي الْأَدَب وَلَا يوازيني وَلَا يصلح أَن يكون شعره خَادِمًا لشعري فَخرج ذَات يَوْم فلقي يزِيد بن مَنْصُور الْحِمْيَرِي بِبَاب الرشيد فَسلم عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يقربهُ من الْخَلِيفَة فوعده ذَلِك فَدخل الْحِمْيَرِي فَأصَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ لقس النَّفس قد اشْتَمَل عَلَيْهِ الْفِكر فِي سرعَة تقضي الْأُمُور وَأَنه لَا يتشبث بِشَيْء لَا كَانَ كالظل الْحَائِل والسراب الخادع فَقَالَ لَهُ جَعْفَر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هَذَا الَّذِي أَنْت فِيهِ عَارض لَك وَكَانَت الْحُكَمَاء تَقول الْهم مفْسدَة للنَّفس مضلة للفهم مشدهة للقلب وَقَالَت أَيْضا بالسرور يطيب الْعَيْش وَمَعَ الْهم يتَمَنَّى الْمَوْت قَالَ وَكَأن الرشيد نشط واندفع عَنهُ مَا اعتراه من ذَلِك الْفِكر فَتقدم الْحِمْيَرِي وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خلفت بِالْبَابِ اَنفاً رجلا من أخوالك الْأَنْصَار متقدمَاً فِي شعره وأدبه وظرفه أَنْشدني قصيدة يذكر فِيهَا أنسه ولهوه ومحادثة إخوانه وَيذكر مجَالِس اتّفقت بأبلغ قَول وَأحسن وصف يبْعَث وَالله على الصبابة والفرح ويباعد من الْهم والترح وَكَأَنَّهُ وفْق بيمن أَمِير الْمُؤمنِينَ وسعادة جده لِأَن يكون زَائِدا فِي سرُور أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فاستفزه السرُور والقلق إِلَى دُخُوله عَلَيْهِ واستماع قصيدته فَجعل الْخَلِيفَة يُتَابع الرُّسُل إِلَيْهِ فَدخل مُسلم فَسلم بالخلافة ثمَّ أمْهل حَتَّى سكن ثمَّ أذن لَهُ فِي الْجُلُوس والانبساط واستدعى مِنْهُ الشّعْر فانبرى ينشد من // (الطَّوِيل) //
(أَدِيرَا عَلَىَّ الكَأْسَ لَا تَشْرَبَا قبلي ... وَلَا تطْلُبَا مِنْ عِنْدِ قَاتِلَتِي ذَخْلِي)
(فَمَا جرَعِي أَنَّي أموتُ صَبَابَةً ... ولكنْ على مَنْ لَا يَحِلُّ لَهَا قَتْلِي)
(أحبُّ الَّتِي صَدّتْ وقالتْ لِتِرْبِهَا ... دَعِيه الثريا مِنْهُ أقْرَبُ مِنْ وَصْلِي)
(بَلَى رُبمَا وَكَّلْتُ عَيْني بنظرةٍ ... إِلَيْهَا تزيدُ القَلْبَ خَبْلاً على خَبْلِ)
(كَتَمْتُ تباريحَ الصبَابَةِ عَاذِلِي ... فَلم يَدْرِ مَا بِي واستَرَحْتُ مِنَ العّذْلِ)
(ومانحَةٍ شرَّابَها المَلْك قَهْوَةً ... يهوديةَ الأَصْهارِ مُسْلِمَةَ البَعْلِ)
(رَبِيبَةَ شَمْسٍ لم تُهَجَّنْ عُروقُهَا ... بِنَارٍ وَلم يُجْمَعْ لَهَا سعفُ النَّخْلِ)
(بعثنَا لَهَا مِنا خَطِيبًا لِبُضْعِهَا ... فجَاء بهَا يَمْشِي العِرَضْنَةَ فِي مَهْلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute