وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فملكوا جَمِيع مملكة خوارزم شاه ثمَّ بعد ذَلِك عبروا النَّهر بعد أَن أخذُوا بُخَارى وسمرقند وَكَانَ خوارزم شاه قد أباد الْمُلُوك من مدن خُرَاسَان فَلم يجد التتار أحدا فِي وُجُوههم فطوفوا الْبِلَاد قتلا وسبياً وَسَاقُوا إِلَى أَن وصلوا هَمدَان وقزوين قَالَ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله حَادِثَة التتار من الْحَوَادِث الْعُظْمَى والمصائب الْكُبْرَى الَّتِي عقمت الدهور عَن مثلهَا عَمت الْخَلَائق وخصت الْمُسلمين فَلَو قَالَ قَائِل إِن الْعَالم مُنْذُ خلقه الله لم يبل بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقا فَإِن التواريخ لم تَتَضَمَّن مَا يقاربها وَمن أعظم مَا يذكرُونَ فعل بُختنَصر ببني إِسْرَائِيل بِبَيْت الْمُقَدّس فَمَا بَيت الْمُقَدّس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خرب هَؤُلَاءِ الملاعين من مدن الْإِسْلَام وَمَا بَنو إِسْرَائِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قتلوا من الْأَنَام فَهَذِهِ الْحَادِثَة الَّتِي استطار شررها وَعم ضررها وسارت فِي الدُّنْيَا سير السَّحَاب استدبرته الرّيح فَإِن قوما خَرجُوا من أَطْرَاف الصين فقصدوا كبار المدن والقرى مثل تركستان وكاشغر وبلاساغون ثمَّ مِنْهَا إِلَى بُخَارى وسمرقند فتملكوا ملكهَا وأبادوا أَهلهَا ثمَّ تعبر طَائِفَة إِلَى خُرَاسَان فتفرع مِنْهَا ملكا وتخريبَاً وقتلا وإبادة ثمَّ إِلَى الرّيّ وهمذان إِلَى حد الْعرَاق ثمَّ يقصدون أذربيجان ونواحيها ويخربونها ويفتحونها كل ذَلِك فِي أقل من سنة أَمر لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ من أذربيجان إِلَى دَرْبند شرْوَان ثمَّ إِلَى بِلَاد اللان فَقتلُوا وأسروا ثمَّ بِلَاد القفجاق وهم من أَكثر التّرْك عددا فَقتلُوا من وقف وهرب الْبَاقُونَ وَاسْتولى التتار عَلَيْهَا وَمَضَت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى غزنة وأعمالها وسجستان وكرمان فَفَعَلُوا مثل هَذَا هَذَا مَا لم يطْرق الأسماع مثله فَإِن الْإسْكَنْدَريَّة الَّذِي ملك الدُّنْيَا لم يملكهَا فِي هَذِه السرعة وَإِنَّمَا ملكهَا فِي نَحْو عشْرين سنة وَلم يقتل أحدا وَإِنَّمَا رَضِي بِالطَّاعَةِ وَهَؤُلَاء قد ملكوا أَكثر الْمَعْمُور من الأَرْض وَأحسنه وأعمره وَلم يبْق أحد فِي الْبِلَاد الَّتِي لم يطرقوها إِلَّا وَهُوَ خَائِف يترقب وصولهم إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّهُم كَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْميرَة ومددهم يَأْتِيهم فَإِن مَعَهم الأغنام وَالْبَقر وَالْخَيْل يَأْكُلُون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute