المشهورون بالقيافة بَين الْعَرَب فالتمسوا أثرهما فقصوه إِلَى أَن دنوا من فَم الْغَار قَالَ الْقَائِف وَالله مَا جَازَ مطلوبكم هَذَا الْغَار فَعِنْدَ ذَلِك حزن أَبُو بكر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
لَا تحزن إِن الله مَعنا قَالَ يَا رَسُول الله لَو نظر أحدهم إِلَى قَدَمَيْهِ لرآنا ثمَّ دنا بَعضهم فَبَال فِي أَسْفَل النقب فَقَالَ النَّبِي
إِن لقريش نخوة وَإنَّهُ لَو رآك لما كشف سوءته قبلك وَقَالَ لَهُ النَّبِي
مَا بالك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما وَفِي معالم التَّنْزِيل لم يكن حزن أبي بكر جزعاً من الْمَوْت وَإِنَّمَا اشفاقاً على رَسُول الله
قَالَ إِن أقتل فَأَنا رجل من قُرَيْش وَإِن قتلت هَلَكت الْأمة وَلم يعبد الله فَجعلُوا يضْربُونَ حول الْغَار يمنة ويسرة وَيَقُولُونَ لَو دخل الْغَار لانكسر بيض الْحمام وتفسخ نسج العنكبوت فَلَمَّا سمع ذَلِك النَّبِي
علم إِن الله تَعَالَى قد حمى حماها بالحمام وَصرف عَنْهُمَا كيدهم بالعنكبوت أَشَارَ إِلَى ذَلِك البوصيري رَحمَه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) //
(ظنّوا الْحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسّج وَلم تحم)
(وقاية الله أغنت عَن مضاعفةٍ ... من الدّروع وَعَن عالٍ من الأُطُم)
وَقَالَ فِي همزيته // (من الْخَفِيف) //
(وكفته بسنجها عنكبوتٌ ... مَا كفته الْحَمَامَة الحصداء)
وَللَّه در الْقَائِل // (من الوافر) //
(ودود القزّ إِن نسجت حَرِيرًا ... يجمّل لبسه فِي كلّ زيّ)
(فَإِن العنكبوت أجلّ مِنْهَا ... بِمَا نسجت على رَأس النّبيّ)
وَقد تقدم أَن عَامر بن فهَيْرَة اتبع أَثَره حَتَّى يُعْفَى عَلَيْهِ بأظلاف الْغنم فَخرج مَعَهُمَا رَدِيف أبي بكر يَخْدُمهُمَا وعامر بن فهَيْرَة أسلم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام عذب فِي الله فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ وَشهد بَدْرًا وأحداً وَقتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة قَتله عَامر بن الطُّفَيْل وَهُوَ من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن ذكر ذَلِك كُله مُوسَى ابْن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَأَقَامَا فِي الْغَار ثَلَاثَة أَيَّام الْجُمُعَة والسبت والأحد وركبا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ومعهما دليلهما عبد الله بن أريقط وَكَانَ ماهراً خريتاً فسلك