للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُرَيْش يَقُول كنت حليفاً وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قَرَابَات يحْمُونَ أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ قَرَابَتي وَلم أَفعلهُ ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رِضاً بالْكفْر بعد الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله

أما إِنَّه قد صدقكُم فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على من شهد بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدوي وَعَدُوكُم أوَلياءَ تُلقُون إلَيهِم بِالمَوَدةِ} إِلَى قَوْله {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَإِنَّمَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق مَعَ تَصْدِيق رَسُول الله

لحاطب فِيمَا اعتذر بِهِ لما كَانَ عِنْد عمر من الْقُوَّة فِي الدّين وبغض الْمُنَافِقين فَظن أَن من خَالف مَا أَمر بِهِ النَّبِي

اسْتحق القتلَ لكنه لم يجْزم بذلك فَلذَلِك اسْتَأْذن فِي قَتله وَأطلق عَلَيْهِ منافقَاً لكَونه أبطن خلاف مَا أظهر وَعذر حَاطِب مَا ذكره فَإِنَّهُ صنع ذَلِك متأولاً أَن لَا ضَرَر فِيهِ وَعند الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحَارِث عَن على فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فأرشد إِلَى عِلّة ترك قَتله وَعند الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن عُرْوَة فَإِنِّي غَافِر لكم وَهَذَا يدل على أَن المُرَاد بقوله غفرت أَغفر على طَرِيق التَّعْبِير عَن الْآتِي بالواقع مُبَالغَة فِي تحَققه قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا الْخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أَن هَؤُلَاءِ حصلت لَهُم حَالَة غفرت بهَا ذنوبهم السالفة وتأهلوا أَن يغْفر لَهُم مَا يسْتَأْنف من الذُّنُوب اللاحقة وَقد أظهر الله صدق رَسُوله فِي كل مَا أخبر عَنهُ بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُم لم يزَالُوا على أَعمال أهل الْجنَّة إِلَى أَن فارقوا الدُّنْيَا وَلَو قدر صُدُور شَيْء من أحدهم لبادر إِلَى التَّوْبَة ولازم الطَّرِيقَة المثلى يعلم ذَلِك من أَحْوَالهم بِالْقطعِ من اطلع على سيرهم قَالَه الْقُرْطُبِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>