أمَّا ما رواه العُقيليُّ، عن يحيى بن سعيدٍ القَطَّان، قال:"ما رأيتُ عبدَ الواحدِ بنَ زيادٍ يَطلُبُ حديثًا قطُّ بالبصرة، ولا بالكُوفَة، وكُنَّا نَجلِسُ على بابِه يومَ الجُمُعة بَعد الصَّلاة، أُذاكِرُه حديثَ الأعمش، لا يَعرِفُ منه حرفًا"، فهذا مُقابَلٌ بقول ابن مَعِينٍ، وسُئِل عن أَثبتِ أصحاب الأعمش بعد سُفيانَ وشُعبَة، فقال:"أبو مُعَاويةَ الضَّرير، وبعده عبدُ الواحد بنُ زيادٍ"، وقد احتجَّ به الشَّيخانِ في حديثه عن الأعمش، ولم يَقُم دليلٌ على أن أحدًا من أصحاب الأعمش الكبار خالَفَهُ في هذا الحديث، فإنْ وَجَدنَا عَمِلنَا بمُقتَضَاه، فلَو رَوَاه مَن هو أثبتُ مِن عبد الوَاحد بن زيادٍ، عن الأعمش، فأرَسلَهُ، كما وقع في كلام أحمد، حكَمنَا لهذا الثَّبت عَلَيه، إلَّا أَن يقوم مانعٌ.
وقولُ أحمدَ:"رواه بعضُهم مُرسَلًا"، فلا نَدرِي من هذا "البعض"، وهل ويُقدَّم عَلَى عبدِ الواحد، أم لا.
وأمَّا قولُ المُنذِرِيِّ في "تهذيب سُنَن أبي داوُد"(٢/ ٧٦): "قيل: إنَّ أبا صالحٍ لم يَسمَع هذا الحديث من أبي هُريرَة، فيكونُ مُنقَطِعًا".
فقد سَبَقَهُ إلى ذلك أبو بَكرٍ بنُ العَرَبِيِّ، فقال في "عارضة الأَحوَذِيِّ"(٢/ ٢١٧): "وحديثُ أبي هُريرَة معلولٌ، لم يَسمَعهُ أبو صالحٍ من أبي هريرة، وبين الأعمش وأبي صالحٍ كلامٌ" ا. هـ.
فأمَّا القولُ بأن أبا صالحٍ لم يَسمَعهُ مِن أبي هُريرَة، فلم أَقِف على قَائِلِه مِن أئمَّة الحديث الكِبار، ولا على دَلِيلِه.
وابنُ العَرَبِيِّ رحمهُ الله فليسَ مِن أَحلَاسِ هذا العِلم، وله أوهامٌ في تَوالِيفِه،