• قلتُ: ولا أظُنُّ أحدًا - ولا الأُستاذَ نفسَه، فيما أظنُّ - يَرَى أن الحَسَنَ بنَ عُمارَةَ أقوَى من مُحمَّد بن إسحاقَ، حتى يُتابعَ جَرِيرَ بنَ عبد الحميد على رَأيِه. فيُرِيدُ الأستاذُ أن يَقُولَ: قد استقرَّ عَمَلُ المُحَدِّثين على تحسين حديثِ ابن إسحَاقَ، وحَسبَ كلامِ جريرِ بن عبد الحميد، فيَكُونُ الحَسَنُ بنُ عُمارَةَ صحيحَ الحديث، أو حَسَنَهُ على أقلِّ تقديرٍ. فهل تَرَى في قولِ النُّقَّاد وصيارفة الفنِّ ما يُشِيرُ إلى قريبٍ من هذا؟ وهل يَعتَقِدُ الأستاذُ أن جَرِيرَ بن عبد الحميد مِن النُّقَّاد حتَّى يُقبَلَ قولُهُ المُناقِضُ لقول العُلماء جميعًا؟
ثمَّ زاد الأُستاذُ الطِّينَ بِلَّةً عندما خَتَمَ كلامَهُ بقَولِهِ:"وما أعدلَ ما حَكَاهُ البُخارِيُّ … ". فظن الأستاذُ أن كلامَ ابن عيينة فيه تزكيةٌ للحسن بن عُمارةَ، إذ سُئل: أَكانَ الحسَنُ بنُ عُمارةَ يحفظ؟ قال:"كان له فضلٌ. وغيرُهُ أحفَظُ منه".
ولو كان ابنُ عُيَينَة يراه كما يظُنُّ الأستَاذُ، وسُئل: أكان يحفَظُ؟ فكان يَنبَغِي أن يكون جوابُ ابن عُيَينَة إن أرادَ تَزكِيتَه أن يقُولَ:"نعم"، أمَّا أن يُسألَ:"هل كان يَحفَظُ؟ "، فيقُولُ:"له فضلٌ" فالحَيدَةُ هنا جَرحٌ، وليست تَزكِيَةً. كما سُئل بعض النُّقَّاد عن رَاوٍ - أظُنُّه: أبا عبد الله الجَدَلِيَّ -، فقال:"كان يُجِيدُ الضَّربَ بالسَّيف"، فعلَّق الشَّافِعِيُّ - على ما أَذكُرُ - قائلًا:"ومن نُسب إلى غيرِ صناعَتِه فقد وُهِصَ" أو كما قال! يُشِيرُ بذلك إلى أن الحُكمَ على الرَّاوِي، الذي رأسُ مالِهِ العَدَالَةُ والضَّبطُ، إلى ذِكرِ شيءٍ لا يتعلَّقُ بهما، فيه دلالةٌ على جَرحِه.