للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

• قلتُ: هذا ما يتعلَّقُ بالحَسَن بن عُمارَةَ في كلام الأُستاذ مُحمَّد عوَّامَة. أمَّا الشَّيءُ الآخَر، والذي اتَّهم به عوَّامةُ ابنَ عديٍّ أنَّه "لا يَعقِل ما يقُولُ"، فهو أنَّهُ وَصَفَ أبا حَنِيفَة رحمهُ الله بسُوء الحفظ.

وهذه مسأَلةٌ جَرَت بِسَبَبِها خصوماتٌ شديدةٌ بين المُحَدِّثِين والحَنَفِيَّة. ذلك أن الحَنَفِيَّة يأبَون إلَّا أن يَكُون أبو حَنِيفَة من سادة الحُفَّاظ، الذين يَجرُون في مِضمَار الأَعمَش، ومَنصُورٍ، وشُعبَةَ، والثَّورِيِّ، وأَضرَابِهم. ولا يُسَلِّمون للمُحَدِّثين كَلامَهم في رَميِه بسُوءِ الحِفظِ، وكيفَ يكُونُ أئِمَّةُ الذاهِب الثَّلاثة الأُخرَى. مالكٌ، والشَّافِعِيُّ، وأحمدُ، مِن أعيَان الحُفَّاظ والفُقهَاء، ويكونُ أبُو حَنِيفَة من أعيان الفُقهاء، ويَفُوتُه الحفظ؟! هذا ما يأبَاهُ الحنَفِيَّةُ تمامًا. فجَرَّهُم هذا الإِبَاءُ إلى رَميِ المُحَدِّثِين جميعًا بعَدَاوَة مَدرَسَة الرَّأي، بَغيًا وعُدوانًا، وأنَّهُم مُتحَامِلُون على أبي حَنِيفَة وأصحَابِه - رحمهم الله تعالى -. وقد جَرَت بَينَهُم وقائعُ تُشبِهُ الحربَ المُسلَّحةَ.

فذَكَرَ الذَّهَبِيُّ في "تَذكِرَة الحُفَّاظ" (٤/ ١٣٧٨)، عن عبدِ الغَنِيِّ المقدِسيِّ، قال: "كُنَّا نَسمعُ بالمَوْصِل" كِتَاب الضُّعفاء" للعُقَيليِّ، فأخَذَنِي أهل الموصل وأَرَادوا قتلي من أجل ذِكر رَجُلٍ فيه … فجَاءَنِي رجلٌ طويلٌ بسيفٍ فقلت لعلَّه يقتُلُني فَأستريحُ!! - قال - فلَم يَصنَع شيئًا، ثُم أُطلقتُ … "، انتهى. وأوضحها الحافظُ ابنُ كثيرٍ في "البِداية والنِّهاية" (١٣/ ٣٩)، " فقال: "لمَّا دَخَل - يعني: عبد الغنيِّ - لموصِل سَمِع كتابَ العُقَيليِّ في الجَرح والتَّعديل، فثار عليه الحنفيَّةُ بسبب أبي حَنِيفة، فخَرَجَ منها خائفًا يترَقَّبُ .... " انتهَى.