للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقوَى وأمتَنُ من الحديث الذي يَنهَى عن ذلك. فأين الخطأُ الذي ارتَكَبَهُ العُقيليُّ حتَّى يقول فيه هذا الجَرِيءُ المُعتَدِي على الأئِمَّة "ذاك العُقَيليَّ" احتقارًا له واستِخفَافًا بعلمه؟!

أمَّا فِقهيًّا فقد رأيتَ أنَّ مُطلَقَ الجَمع جائزٌ للحاجة، كما وَقَعَ في تعليل ابن عبَّاسٍ: "أراد أن لا يُحرِجَ أحدًا من أُمَّتِهِ". والجَمعُ لغير الحاجَة معصيةٌ كبيرةٌ؛ لأنَّ الله تعالى قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]، وقد ثَبَتَ في عِدَّة أحاديثَ أن جبريل - عليه السلام - وَقَّتَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوقاتًا للصَّلَوات، مَن جَاوَزَها بغير عُذرٍ فقد ضيَّعَها بلا شكٍّ.

والذي جَعَل العُقيليَّ يقول ما قال، أن اللَّفظ الذي وَقَع له ليس فيه ذِكرُ العُذر وهو: "جَمع بين الصَّلاتَين من الكَبائِر"، فَخَشِي العُقيليُّ أن يَتَوَهَّم مُتَوهِّمٌ أن هذا الحديثَ يُعارِضُ الحديثَ الصَّحيح في الجَمع، فقال: "لا أصل له"، يعني: من الصِّحَّة.

وذَكَر التِّرمِذِيُّ في "سُننِه" أن الجَمع إمَّا يكونُ في السَّفر أو في عرفة. ورَدَّ عليه النَّوَوِيُّ في "شرح مُسلمٍ" (٥/ ٢١٨ - ٢١٩) قائلًا:

"وقد قال التِّرمذِيُّ في آخِر كتابِه: "ليس في كتابي حديثٌ أجمَعَت الأمَّةُ على ترك العَمَل به إلَّا حديثُ ابن عبَّاسٍ في الجَمع بالمَدينة مِن غير خوفٍ ولا مَطَرٍ، وحديثُ قتلِ شاربِ الخَمر في المَرَّة الرَّابعة". وهذا الذي قالَه التِّرمِذِيُّ في حديث شارِب الخَمر هو كما قاله، فهُو حديث منسُوخٌ، دلَّ الإجماعُ على نَسخِهِ. وأمَّا حديثُ ابن عبَّاسٍ فَلَم يُجمِعُوا على ترك العَمَل به، بل لهُم أقوالٌ. مِنهُم مَن تأوَّلَهُ على أنَّهُ جَمَعَ بعُذر المَطَر، وهذا مشهُورٌ