عن جماعَةٍ مِن الكبار المُتقدِّمين، وهو ضعيفٌ بالرِّوايَة الأخرَى:"مِن غير خوفٍ ولا مَطَرٍ". ومِنهُم مَن تأوَّلَهُ على أنَّه كان في غَيمٍ، فصلَّى الظُّهر، ثُمَّ انكَشَفَ الغَيمُ وبَانَ أن وقت العَصر دخل فصلَّاها، وهذا أيضًا باطلٌ؛ لأنَّه - وإن كان فيه أدنى احتمالٍ في الظُّهر والعصر - لا احتمال فيه في المَغرب والعِشاء. ومِنهُم مَن تأوَّله على تأخير الأُولَى إلى آخِر وقتِها فصلَّاها فيه، فلمَّا فرَغَ منها دَخَلَت الثَّانية فصلَّاها، فصارَت صلاتُهُ صُورةَ جَمْعٍ (١)، وهذا أيضًا ضعيفٌ أو باطلٌ؛ لأنَّه مخُالِفٌ للظَّاهر مُخالَفَةً لا تُحتَملُ، وفِعلُ ابن عبَّاسٍ الذي ذَكَرناهُ حين خَطَبَ واستدلالُهُ بالحديث لِتَصويب فِعلِه، وتصديقُ أبي هُريرَةَ له وعدمُ إنكارِهِ، صريحٌ في ردِّ هذا التَّأويل. ومِنهُم مَن قال: هو مَحمُولٌ على الجَمعِ بعُذر المَرَض أو نَحوِه ممَّا هو في مَعناه من الأعذار، وهذا قولُ أحمدَ بن حنبَلٍ والقاضِي حُسينٍ من أصحابِنا، واختارَهُ الخطَّابِيُّ والمُتوَلِّي والرُّوْيانِيُّ من أصحابِنا، وهو المُختارُ في تأويلِهِ لِظاهِرِ الحديث ولِفِعلِ ابن عبَّاسٍ ومُوافقةِ أبي هُريرَةَ، ولأنَّ المَشقَّة فيه أشدُّ من المَطَر. وذَهَب جماعَةٌ من الأئمَّة إلى جَواز الجَمع في الحَضَر للحاجَةِ لمن لا يتَّخِذُهُ عادةً، وهو قولُ ابن سِيرِينَ وأشهبَ من أصحاب مالكٍ، وحكاهُ الخطَّابِيُّ عن القفَّال والشَّاشِيِّ الكَبير من أصحاب الشَّافِعِيِّ، عن أبي إسحاق المَروَزِيِّ، عن جَماعَةٍ من أصحاب الحَديث، واختَارَه ابنُ المُنذِر، ويُؤيِّدُهُ ظاهِرُ قولِ ابن عبَّاسٍ:"أراد أن لا يُحرِج أُمَّته" فَلَم يُعلِّله بمَرَضٍ ولا غَيرِهِ. والله أعلم" انتهَى.
(١) كما هو مَذهَبُ الحَنَفِيَّة، الذي نَصَره الطَّحاويُّ وغيره.