للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّارع - صلى الله عليه وسلم -، وإِن كان ضَعِيفَ السَّنَد، لا يُعدَلُ عنه إلى غَيرِه، والقَولُ قَولُه. والضَّعِيفُ غيرُ مَقطُوعٍ بعدم نِسبَتِه إليه، ما لم يَكُن واهيًا، أو مُعارَضًا بأصلٍ أَقوَى منه. فلَسنَا نَعِيبُ الاحتجاجَ به، عِندَ عَدَمِ وُرُودِ غيرِه، بل نرَى التَّمَسُّكَ به هو الأَولَى والوَاجبَ. وإِنَّما نَعِيبُ الاضطرابَ في شأنه، وهو تَركُهُ عِندَ المُدافَعةِ والاستِهجَانِ، والعَملُ به عِندَ المُوَافَقَةِ والاستِحسَانِ … - إلى أن قَالَ: - فكَم مِن حَدِيثٍ ضَعِيفٍ احتَجَّ به الإمامُ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه - في كُتُبِهِ، بل سَأَلهُ أصحابُهُ أن يُمِليَ لَهُم ما صحَّ مِن السُّنَنِ، فامتَنَعَ وأجاب بأنَّ الصَّحِيحَ من السُّنَنِ قَلِيلٌ. كما أنَّه احتَجَّ برجالٍ اشتُهِرُوا بالضَّعفِ عِندَ غَيرِه، وبلَغَهُ الجَرحُ فِيهِم، فلَم يَكُن ذلك مانِعًا له من الاحتِجَاجِ بِخَبَرِهِم. وكذلك مَالِكٌ، احتَجَّ بالمَرَاسِيلِ والبَلَاغَاتِ، وبرجالٍ مُتَّفَقٍ على ضَعفِهم عند أَهلِ الحَدِيثِ. وهكذا بَقِيَّةُ الأَئِمَّةِ، ما مِنهُم أَحَد إلَّا وقد اضطرَّ إلى الأخذ به في كثيرٍ مِن الأَحكامِ، وصَرَّح بعضُهُم بأنَّهُ أَقوَى عِندَهُ من الرَّأي، ومُقدَّمٌ على القِياسِ - قلتُ: هذا مَذهَبُ أحمدَ وأبي دَاوُد. ثُمَّ قال: - بل قَدَّمَهُ أبو حَنِيفَةَ على القِياس في مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ. وأقربُ طريقٍ يُوصِلُكَ إلى التَّحَقُّقِ بهذا، ما يَذكُرُه التِّرمِذِيُّ في "السُّنَنِ" عَقِبَ أحاديثَ يَنُصُّ على ضَعفِهَا وغَرَابَتِهَا، ثُمَّ يقول: وعليه العَمَلُ عند أهل العِلمِ" ا. هـ كلامُهُ. قلتُ: وقد رأيتُ كِتابًا يُسَمَّى "المِعيَار" لأَحَدِ حُفَّاظِ المِئَةِ الثَّامِنة، رتَّبَهُ على الأبواب الفِقيَّة، وذَكَر في كُلِّ بابٍ مِنهُ الأحاديثَ الضَّعِيفَةَ التي أَخَذَ بها الأَئِمَّةُ الأربعةُ، مُجتَمِعِينَ ومُنفَرِدِينَ. وهو مُفِيدٌ في بابه، نَقيسٌ جِدًّا، وَقَفتُ