للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديث". أخرَجَهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ.

واعلَم! أنّهُ ليسَ لَدَى المُخالِفِين لهذا القَولِ الذي اختَرتُهُ أيُّ دليلٍ من الكتاب والسُّنَّةِ. وقد انتَصَر لهم بعضُ العُلَماء المُتأخِّرين في كتابه "الأجوبَة الفَاضِلَة" في فَصلٍ عَقَدَهُ لهذه المسأَلَةِ (٣٦ - ٥٩). ومع ذلك، فإنَّهُ لم يَستَطِع أن يَذكُر لهم، ولا دليلًا واحدًا يَصلُح للحُجَّة! اللهُمَّ إلَّا بعض العِبارَات، نَقَلَها عن بَعضِهم لا تَنفَقُ في سُوقِ البَحثِ والنِّزاع، مع ما في بعضِها من تعارُضٍ، مثلُ قولِه (ص: ٤١) عن ابن الهُمَام: "الاستِحبَابُ يثبُتُ بالضَّعيفِ غيرِ الموضوعِ"! ثُمَّ نَقَلَ (ص: ٥٥ - ٥٦) عن المُحقِّقِ جلال الدين الدَّوَّانِيِّ أنَّهُ قال: "اتَّفَقُوا على أن الحديثَ الضَّعيفَ لا يَثبُتُ به الأحكامُ الخَمسَةُ الشَّرعيَّةُ، ومنها الاستحبابُ".

قُلتُ: وهذا هو الصَّوابُ؛ لما تقدَّمَ من النَّهي عن العَمَل بالظَّنِّ الذي يُفيدُهُ الحديثُ الضَّعيفُ. ويؤيِّده قولُ شَيخِ الإسلام ابن تَيمِيَةَ في "القاعدة الجليلة" (ص ٨٤ - المطبعة السَّلَفيَّة): "ولا يجُوزُ أن يَعتَمِدَ في الشَّريعة على الأَحادِيثِ الضَّعيفَةِ التي ليسَت صحيحةً ولا حسَنَةً. لكن أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ وغيرَهُ من العُلَماء، جَوَّزُوا أن يُروَى في فضائلِ الأعمال ما لم يُعلَمْ أنَّهُ ثابتٌ، إذا لم يُعلَم أنَّه كَذِبٌ، وذلك أن العَمَل إذا عُلِمَ أنَّه مشرُوعٌ بدليلٍ شرعيٍّ، ورُوِي في فَضلِهِ حديثٌ لا يُعلَمُ أنَّهُ كَذِبٌ، جازَ أن يَكونَ الثَّوابُ حقًّا، ولَم يَقُل أحدٌ من الأئمَّة أنَّه يجُوزُ أن يُجعَل الشَّيءُ واجبًا أو مُستحبًّا بحديثٍ ضعيفٍ، ومَن قال هذا فقد خَالَف الإِجماعَ".