للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ. (وَإِنْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ فَأَشْبَهَ الْعَانَةَ.

ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هَاهُنَا وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ: (إذَا حَلَقَ عُضْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَطَعَامٌ)

فَإِنَّهُ قَالَ: بِحَلْقِ كُلِّ الرَّأْسِ تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِالْبَعْضِ أَيْضًا. وَفِي قَوْلِهِ: وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالْقَلِيلِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي الْقَلِيلِ قَاصِرَةٌ فَكَيْفَ تُوجِبُ الدَّمَ.

وَأَمَّا حَلْقُ اللِّحْيَةِ فَهُوَ مُتَعَارَفٌ، فَإِنَّ الْأَكَاسِرَةَ كَانُوا يَحْلِقُونَ لِحَى شُجْعَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَخْذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِقْدَارُ الرُّبْعِ وَمَا يُشْبِهُهُ مُعْتَادٌ بِالْعِرَاقِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ، فَكَانَ مَقْصُودًا بِالِارْتِفَاقِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ فَأُلْحِقَ بِهِ احْتِيَاطًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ حَتَّى وَجَبَتْ بِالْأَعْذَارِ، بِخِلَافِ تَطْيِيبِ رُبْعِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، إذْ الْعَادَةُ فِي الطِّيبِ لَيْسَتْ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الرُّبْعِ فَكَانَ الْعُضْوُ الْكَامِلُ فِي الطِّيبِ كَالرُّبْعِ فِي الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ، (وَإِنْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ (وَإِنْ حَلَقَ الْإِبِطَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ فَأَشْبَهَ الْعَانَةَ) قِيلَ: إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبِطَيْنِ مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِحَلْقِهِمَا دَمَانِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ جِنَايَاتِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يَجِبُ فِيهَا ضَمَانٌ وَاحِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَزَالَ شَعْرَ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالتَّنُّورِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؟ (ذُكِرَ فِي الْإِبِطَيْنِ الْحَلْقُ هَاهُنَا) يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَفِي الْأَصْلِ) أَيْ: الْمَبْسُوطِ (النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ) بِخِلَافِ الْعَانَةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْحَلْقُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ، مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا حَلَقَ عُضْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) قِيلَ: قَوْلُهُمَا بَيَانٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا أَنَّهُ خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>