للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾ وَمَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّعَامَ وَالصِّيَامَ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا. قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ عُطِفَتْ عَلَى الْجَزَاءِ لَا عَلَى الْهَدْيِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ مَرْفُوعٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ ثُمَّ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ، وَيُقَوَّمَانِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا لَا يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ

تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾، فَإِنَّ ضَمِيرَ بِهِ مُبْهَمٌ فَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: هَدْيًا فَكَانَ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ أَيْ: التَّمْيِيزُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمِثْلَ إنَّمَا يَصِيرُ هَدْيًا بِاخْتِيَارِهِمَا وَحُكْمِهِمَا، (أَوْ مَفْعُولٌ لِحُكْمِ الْحَكَمِ) أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ مَحْمُولًا عَلَى مَحَلِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا﴾ وَفِي ذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ إلَى الْحَكَمَيْنِ، ثُمَّ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ ثَبَتَ فِي الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ وَبِالْفَصْلِ؛ وَلِأَنَّهُ عَطَفَهُمَا عَلَيْهِ (بِكَلِمَةِ أَوْ) وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، (فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا).

وَفِي تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ بِكَلِمَةِ أَوْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إلَّا إذَا كَانَ كَفَّارَةٌ مَنْصُوبًا عَلَى مَا هُوَ قِرَاءَةُ عِيسَى بْنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ وَهِيَ شَاذَّةٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كِتَابٌ وَلَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.

وَقَوْلُهُ: (قُلْنَا) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِمَا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ كَفَّارَةٌ مَعْطُوفَةً عَلَى هَدْيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ إعْرَابِهِمَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَجَزَاءٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةُ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ) فِي الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ فِيهِمَا لِلْحَكَمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْهَدْيِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، (وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ) لَا غَيْرٍ، (ثُمَّ الِاخْتِيَارُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ) رِفْقًا لَهُ، (وَيُقَوِّمَانِ) أَيْ: الْحَكَمَانِ (فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُ) الْمُحْرِمُ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَكَذَا يُعْتَبَرُ الزَّمَانُ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَرًّا) ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>