وَهُوَ الْفِقْهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفُ مُدٍّ،
الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَاعْتُبِرَ حَالُهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الدَّلِيلُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ الِاعْتِبَارُ بِحَالِهِمَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَالِهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْخَصْمُ يَقُولُ بِهِ، فَإِذَنْ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ وَالْحَدِيثُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهَا، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ حَالُهُ مُعْتَبَرًا مِنْ وَجْهٍ وَحَالُهَا كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ وَالْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُ الْآيَةَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْآحَادِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ تَفْسِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ فَتَكُونُ الْمُعَارَضَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ (وَهُوَ) أَيْ اعْتِبَارُ حَالِهِمَا هُوَ (الْفِقْهُ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ وَالْفَقِيرَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى كِفَايَةِ الْمُوسِرَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ) يَعْنِي عَلَى كِفَايَتِهَا نَظَرًا إلَى حَالِ الزَّوْجِ.
وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ بِقَوْلِهِ (وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ أَنَّهُ يُخَاطَبُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ وُسْعِهِ) لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، لَكِنْ إنْ زَادَتْ كِفَايَتُهَا عَلَى مَا فِي وُسْعِهِ يَكُونُ لِلْبَاقِي دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْعَجْزِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الْوَسَطُ لِيَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ إنَّهُ تَعَالَى قَالَ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ اعْتَبَرَ الرَّجُلَ، وَقَالَ بِالْمَعْرُوفِ إشَارَةً إلَى أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى مَا فِي وُسْعِهِ إنْ كَانَتْ حَالَتُهَا تَقْتَضِيهِ.
وَوَجْهُ كَوْنِهِ جَوَابًا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُفَسَّرًا بِالْوَسَطِ فَالْوَسَطُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ حَالِ الرَّجُلِ وَحَالِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ ﷺ لِهِنْدٍ «خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِك مَا يَكْفِيك» (يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute