وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: حَنِثَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ: أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ، وَالرُّطَبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ التَّفَكُّهُ بِهِ مُعْتَادًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِيَابِسِ الْبِطِّيخِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي التُّفَّاحِ وَأَخَوَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهَا وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا وَأَكْلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا. وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ مَوْجُودٌ فِيهَا فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ ﵀ يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا وَيُتَدَاوَى بِهَا فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ.
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) يَعْنِي لَا فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ يَمِينُهُ عَلَى ثَمَرِ كُلِّ شَجَرٍ سِوَى الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّطْبُ وَالْيَابِسُ. وَفِي وَجْهٍ لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ الْخِيَارَ وَالْقِثَّاءَ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْبُقُولِ. وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ إلَّا مَا نَذْكُرُهُ، فَقَوْلُهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُعْتَادِ: أَيْ عَلَى الْغَدَاءِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى تُسَمَّى النَّارُ فَاكِهَةً وَالْمِزَاحُ فَاكِهَةً لِوُجُودِ زِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فِيهَا. وَقَوْلُهُ (وَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءٌ) يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ فَاكِهَةً لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ رَطْبِهِ وَيَابِسِهِ، وَيَابِسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُعَدُّ فَاكِهَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَطْبُهَا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا) فَإِنَّ بَائِعَ الْبُقُولِ هُوَ الَّذِي يَبِيعُهَا لَا غَيْرُ، وَأَمَّا أَكْلًا فَإِنَّهُمَا يُوضَعَانِ عَلَى الْمَوَائِدِ حَيْثُ يُوضَعُ النَّعْنَاعُ وَالْبَصَلُ. وَقَوْلُهُ (إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا) يَعْنِي الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ (وَيُتَدَاوَى بِهَا) يَعْنِي الرُّمَّانَ (وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ) كَيَابِسِ الرُّمَّانِ (أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ) كَيَابِسِ الْعِنَبِ، فَالتَّوَابِلُ جَمْعُ التَّابَلِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ عَلَى أَفْرَادٍ فِي بَعْضِهَا دَلَالَةٌ عَلَى زِيَادَةِ مَعْنًى لَيْسَ فِي مَفْهُومِ اشْتِقَاقِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ فِي اللَّحْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute