بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ، وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ السِّرْدَابُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ جَازَ كَمَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا وَعَلَى ظَهْرِهِ مَسْكَنٌ فَهُوَ مَسْجِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلُوِّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ، وَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مُسْتَغَلٌّ يَتَعَذَّرُ تَعْظِيمُهُ.
هَذَا الْوَصْفِ كَالْجَمَاعَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُتَمَّمُ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ لَهُمَا أَنَّ مُوجِبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ، وَالسِّرْدَابُ بِكَسْرِ السِّينِ مُعَرَّبُ سِرْدَابَةَ. وَهُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ.
وَقَوْلُهُ (فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا يَكُونُ خَالِصًا لَهُ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ أَضَافَ الْمَسَاجِدَ إلَى ذَاتِهِ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَمَاكِنِ لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute