أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَّا مَرَّةً. قَالَ (وَإِذَا كَفَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا: لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ فَكَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ، وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي سَوَادٍ لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ.
بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ هُوَ الْمُحَاكَمَةُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا سَلَّمَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَبَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَفَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا هَذَا بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. أَمَّا فِي زَمَانِنَا إذَا شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْفَسَادِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ وَالتَّقَيُّدُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي مُفِيدٌ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ فِي سَوَادٍ لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ فَالتَّسْلِيمُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ شُهُودَهُ كَمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا عَيَّنَهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا سَلَّمَهُ فِيهِ، فَتَعَارَضَ الْمَوْهُومَانِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ مُتَحَقِّقًا مِنْ الْكَفِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فَيَبْرَأُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَمَكُّنُهُ مِنْ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْقَاضِي إمَّا لِيَثْبُتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَقَدْ حَصَلَ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَأَوَانٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِهِ بِالصِّدْقِ فَكَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute