وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَكِيلُ الْكَفِيلِ أَوْ رَسُولُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ.
قَالَ (فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحٌ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ (وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ لَا يُنَافِي الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ.
الْمَكْفُولَ بِهِ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْحُضُورِ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ إذَا طُولِبَ بِهِ فَهُوَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا التَّسْلِيمِ، لَكِنْ إذَا قَالَ دَفَعْت نَفْسِي مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَاجِبٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ، فَلَمْ يُصَرِّحْ بِقَوْلِهِ مِنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ التَّسْلِيمُ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ فَلَا يَبْرَأُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مُطَالَبٌ بِالْحُضُورِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ إلَى الطَّالِبِ مُتَبَرِّعًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَرُّعِ وُقُوعُهُ عَنْ الْكَفِيلِ لِيَبْرَأَ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ جِهَةً أُخْرَى كَمَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهِمَا، وَتَسْلِيمُ وَكِيلِ الْكَفِيلِ وَرَسُولِهِ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ كَتَسْلِيمِهِ.
قَالَ (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا إلَخْ) رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ بِفُلَانٍ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَلَمْ يُحْضِرْهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ ضَمِنَ الْمَالَ وَافَاهُ: أَيْ آتَاهُ مِنْ الْوَفَاءِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِمَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ أَلْفٌ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ فَعَلَى مَالِكٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْكَمِّيَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِمَا أَدْرَكَك فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرِيهَا مِنْ ذَلِكَ صَحَّتْ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِالشَّجَّةِ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُعْلَمْ هَلْ تَبْلُغُ النَّفْسَ أَوْ لَا. ثُمَّ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ﵀. وَالثَّانِي عَدَمُ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عِنْدَ أَدَاءِ مَا تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ: يَعْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ كَلِمَةِ الشَّرْطِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute