وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ الْمَنَافِعُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ.
وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَامِلَ الشَّائِعِ مَا يُحْمَلُ مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ شَيْئًا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَجْرًا عَلَى غَيْرِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ، وَالثَّانِي حَقٌّ لَكِنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ عَلَى فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، لِأَنَّ عَمَلَهُ لِنَفْسِهِ أَصْلٌ وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ وَعَمَلُهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقِيَاسِ فِي الْحَاجَةِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاعْتَبَرَ جِهَةَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَقَطْ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَنَافِعُ الدَّارِ وَتَسْلِيمُهَا مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ فِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا تَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَضَعْ فِيهِ الطَّعَامَ أَصْلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَتَسْلِيمُهُ فِي الشَّائِعِ لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَالْمِلْكُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَكَانَ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ إلَّا بِإِيقَاعِ عَمَلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجِبُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ يَجِبُ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالسَّفِينَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute