للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهَا فِي تَحَمُّلِ الْأَلَمِ فَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَا كَذَلِكَ دَقُّ الثَّوْبِ وَنَحْوُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّقْيِيدِ.

قَالَ: (وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ

وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ أَيْ السِّرَايَةَ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهَا فِي تَحَمُّلِ الْأَلَمِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَجْهُولِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ مِنْ الْعَمَلِ لِئَلَّا يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْهُ مَعَ مِسَاسِ الْحَاجَةِ، وَلَا كَذَلِكَ دَقُّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مُقَارِنٌ بِالدَّقِّ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْعَمَلُ مِنْ ضَمَانِ الْقَصَّارِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ مُمْكِنٌ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّقْيِيدِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ الْحَجَّامَ إذَا حَجَمَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَتَجَاوَزَ الْمُعْتَادَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا قَدْرُ الضَّمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قَدْرِ التَّجَاوُزِ حَتَّى أَنَّ الْخِتَانَ إذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ فَإِنْ بَرِئَ فَعَلَيْهِ ضَمَانٌ كَمَالِ الدِّيَةِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ بَدَلِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَسَائِلِ الدِّيَاتِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ أَثَرُ جِنَايَتِهِ انْتَقَضَ ضَمَانُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ: أَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ وَهِيَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ لَا ثَانِيَ لَهُ فِي النَّفْسِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِبَدَلِ النَّفْسِ كَمَا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ.

وَأَمَّا إذَا مَاتَ فَقَدْ حَصَلَ تَلَفُ النَّفْسِ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ فَكَانَ ضَامِنًا نِصْفَ بَدَلِ النَّفْسِ لِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: التَّنْصِيفُ فِي الْبَدَلِ يَعْتَمِدُ التَّسَاوِي فِي السَّبَبِ وَقَدْ انْتَفَى، لِأَنَّ قَطْعَ الْحَشَفَةِ أَشَدُّ إفْضَاءً إلَى التَّلَفِ مِنْ قَطْعِ الْجِلْدَةِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ كَقَطْعِ الْيَدِ مَعَ حَزِّ الرَّقَبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ إتْلَافًا وَأَنْ لَا يَقَعَ إتْلَافًا، وَالتَّفَاوُتُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَكَانَ هَذَا هَدَرًا بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ إتْلَافًا.

قَالَ (وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ إلَخْ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِخِدْمَةِ شَخْصَيْنِ أَوْ لِرَعْيِ غَنَمِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُرَدُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ فَعَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>