وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ
(وَلَوْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَأُلْحِقَ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ لَهَا. وَنَظِيرُهُ الْمَرِيضُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا) لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ (وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ النِّكَاحِ (وَبَطَلَ الْفَضْلُ) لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْتِزَامٌ بِالتَّسْمِيَةِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ فَلَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ وَصَارَ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً) لِمَا بَيَّنَّا.
فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ وَهُوَ مُدَبَّرٌ وَالْعِتْقُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ يُوجِبُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) أَلَا يَرَى أَنَّ مُصْلِحًا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِغُرَمَائِهِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ قِنًّا، لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُوجِبُ السِّعَايَةَ قِنًّا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِسَبَبٍ قَبْلَهُ، إلَّا إنْ جُعِلَ هَاهُنَا سَبَبًا قَبْلَهُ ضَرُورَةً فَلَا تَظْهَرُ سَبَبِيَّتُهُ فِي إيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ قِنًّا، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ عَنْ الْبَيْعِ وَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قِيلَ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَفِيهَا يَسْعَى الْعَبْدُ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ النَّفَاذِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ، أَلَا يَرَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ دُونَ التَّدْبِيرِ.
(وَلَوْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ) وَ (إبْقَاؤُهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لِحَيَاةِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ) بِبَقَاءِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأُلْحِقَ السَّفِيهُ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّ الِاسْتِيلَادِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ وَإِنْ مَاتَ مَدْيُونًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ) أَيْ إنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ (وَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ (فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ، إذْ لَيْسَ لَهَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ (بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ شَاهِدٌ لَهَا) فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَكَذَا فِي دَفْعِ حُكْمِ الْحَجْرِ عَنْ تَصَرُّفِهِ (وَنَظِيرُهُ الْمَرِيضُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ.
قَالَ (وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهَا) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ) يَعْنِي فِي لُزُومِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَرَضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهَاهُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ) يَعْنِي يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَ بِمَهْرٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ (لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ النِّكَاحِ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اعْتَضَدَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ عَلَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute