قَالَ (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ (وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ) لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِقَرَابَتِهِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مَصْرِفِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، لَكِنْ يَبْعَثُ أَمِينًا مَعَهُ كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ. وَفِي النَّفَقَةِ يَدْفَعُ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَلْ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ، فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ.
قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ (وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ) كَيْ لَا يُتْلِفُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ (وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) اسْتِحْسَانًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَجِّ (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً) تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، إذْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵁ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا وَهِيَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ.
قَالَ (فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ) لِأَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ إذْ هِيَ حَالَةَ
لَا فَائِدَةَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَدُّ بَابُ إتْلَافِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، بَلْ هَذَا أَضَرُّ لَهُ مِنْ إتْلَافِهِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ إذْ هُوَ يَكْتَسِبُ الْمَحْمَدَةَ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالْمَذَمَّةِ فِي التَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ، قَالَ ﷺ «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ».
قَالَ (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ كَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَهَذَا وَالْمُصْلِحُ فِيهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَبِالسَّفَهِ لَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ عَنْهُ، وَلَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، لَكِنْ لَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فِي الْقَرَابَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَعُسْرَةِ الْقَرِيبِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُلْزِمُ إقْرَارُهُ شَيْئًا إلَّا فِي الْوَلَدِ، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى النَّسَبِ قُبِلَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَصْدِيقِ الْآخَرِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّسَبِ، وَالسَّفَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ عُسْرَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ صَحِيحٌ وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنَّفَقَةُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ (بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ ظَاهَرَ) يَعْنِي مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ (حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَلْ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِصَوْمٍ) لِكُلِّ حِنْثٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَعَنْ كُلِّ ظِهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَالِ حَالَ التَّكْفِيرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ (مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ) إذْ السَّبَبُ الْتِزَامُهُ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ مَعْنَى التَّبْذِيرِ بِفَتْحِ هَذَا الْبَابِ وَتَضْيِيعِ فَائِدَةِ الْحَجْرِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الرَّقَبَةِ فَأَنَّى يَصِحُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ دَلَائِلَ الْحَجْرِ تُوجِبُ السِّعَايَةَ عَلَى مَنْ يُعْتِقُهُ السَّفِيهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ السِّعَايَةِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا) لِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْطِيَ لَهَا نَفَقَةَ السَّفَرِ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَنَا تَطَوُّعٌ. كَمَا لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ تَطَوُّعًا، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُجْزِئُ فِيهِ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لَيْسَ إلَّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَزِمَهُ الدَّمُ يُؤَدِّي إذَا أَصْلَحَ.
(فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى) وَقُيِّدَ بِالْمَرَضِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّ السَّفِيهَ الصَّحِيحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute