قَالَ (فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَلِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ)، وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَى الشَّمْسِ، وَبِالْفَصْلِ الثَّانِي إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ بِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ)
الضَّمَانِ هَذَا مَا قَالُوهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَالٌّ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ قَوْلُهُ ﷺ «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَكَانَ ذَلِكَ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ.
قَالَ (فَإِنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا إلَخْ) مَنْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، لِأَنَّ التَّخْلِيلَ أَوْ الدِّبَاغَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِخَلْطِ شَيْءٍ وَبِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ خُلِّلَ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْهُ إلَيْهَا، أَوْ دُبِغَ بِالْقَرَظِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُون الْخَلُّ وَالْجِلْدُ بَاقِيَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ أَخَذَ الْمَالِكُ الْخَلَّ بِلَا شَيْءٍ وَأَخَذَ الْجِلْدَ وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَطَرِيقُ عِلْمِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ نَيِّرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بَاقِيَيْنِ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ الْجِلْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁، قَالَا: يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَا فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute