لما قلت فمعناه: البعد لقولك، فقد ذكرنا: أن هيهات لا يجوز أن يكون للبعد، وأنه اسم سمي به الفعل فأجازته هيهات. ما قلت على أنه للبعد ليس بجائز، وإنما قلت يرتفع بهيهات كما يرتفع ببعد، وأما إجازته هيهات ما قلت فإنما قاسه على قوله تعالى:{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}(المؤمنون:٣٦) وليس قولك مبتدأ هيهات لما قلت مثل الآية؛ لأن التي في الآية فيها ضمير كما أعلمتك ولا ضمير فيها مبتدأ، فبان أن قوله هيهات لما قلت ليس كما قاسه؛ لأنه خال من ضمير الفاعل، فإن قال هيهات لقولك وكان في هيهات ضمير كما في الآية جاز وإلا امتنع.
وقوله: وأما من نون هيهات فجعلها نكرة، ويكون المعنى بعد لما قلت، ففيه اختلاف قيل: إنه إذا نون كان نكرة لأن هذه التنوينة في الأصوات إنما تثبت علما للتنكير وتحذف علما للتعريف، كقولهم عاقٍ وعاقِ وايهٍ وايهِ فجائز أن يكون المراد بهيهات إذا نون التنكير. وقيل: إنه إذا نون أيضا كان معرفة كما كان قبل التنوين لأن التنوين في مسلمات ونحوه نظير النون في مسلمين، فهي إذا ثبتت لم تدل على التنكير كما تدل عليه في عاق؛ لأنه بمنزلة ما لا يدل على تعريف ولا تنكير فهو على تعريفه الذي كان عليه قبل دخول التنوين، إذ ليس التنوين فيه ليث في عاق. قال أبو العباس: وهذا الوجه قوي، هذا آخر كلام أبي على الفارسى.
قال الواحدي: فحصل في معنى هيهات ثلاثة أقوال: أحدهم أنه بمنزلة الصفة كقولك بعيد، وهو قول الفراء. والثاني: أنه منزلة البعد وهو قول الزجاج وابن الانبارى. والثالث: أنه بمنزلة بعد وهو قول أبي علي وغيره من حذاق النحويين، فهو على هذه الأقوال بمنزلة الصفة والمصدر والفعل وفيه لغات فتح التاء بلا تنوين. قال الفراء: هما أداتان جمعتا كخمسة عشر، قال: ويجوز أن يكون نصبها كنصب ربت وثمت، واللغة الثانية: هيهاتا بالتنوين مع الفتح، قال ابن الانبارى: هو شبيه بقوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون} . والثالثة: هيهات بكسر التاء، قال الفراء: هو بمنزلة وراك. والرابعة: الكسر مع التنوين، قال ابن الانبارى: شبهوه بالأصوات كعاق. والخامسة: هيهات بالرفع بغير تنوين. والسادسة: هيهات بالرفع والتنوين، قال: ومن العرب من يقول إيهات في هذه اللغات كلها، ومنهم من يقول إيها بلا تنوين وبحذف التاء كما حذفت الياء من حاش لله، والمستعمل من هذه اللغات كلها استعمالا