البعد لما توعدون، قال: ويقال هيهات ما قلت وهيهات لما قلت، فمن قال هيهات لما قلت معناه البعد لقولك.
قال أبو على الفارسى: قول الزجاج: إن هيهات في موضع رفع، وإجراؤه إياها مجرى البعد في أن موضعه رفع في قولك البعد لزيد خطأ، وذلك أن هيهات اسم سمي به الفعل، فهو إسم لبعد كما أن شتان كذلك وهيهات أشبه الأصوات نحو مه وصه وما لا حظ له في الاعراب، فكما لا يجوز أن يحكم لشتان بموضع من الإعراب من حيث كان اسما للفعل ولا موضع له من الإعراب، كما لا موضع للهمزة من قوله أقام زيد، كذلك لا يجوز أن يحكم لهيهات بأن موضعه رفع، ولو جاز أن يكون موضعه رفعا لدلالته على معنى البعد لكان شتان أيضًا مرتفعًا لدلالته على ذلك، وليس للاسم الذي يسمى به الفعل موضع من الإعراب كما لم يكن للفعل الذي جعل هذا اسما له موضع، فإذا ثبت أنه اسم سمي به الفعل لا يخلو من ذلك ولولا أن شتان وهيهات لبعد في قولك شتان زيد وهيهات العقيق، وأن الاسم مرتفع به إذ لا يخلو أن يكون بمنزلة الفعل أو يمنزلة المبتدأ، ولا يجوز أن يكون بمنزلة المبتدأ لأن المبتدأ هو الخبر في المعنى أو يكون له فيه ذكر، وليس هيهات بالعقيق ولا شتان بزيد، ولو كان إسما للمصدر لما وجب بناؤه لأن المعنى الواحد قد يسمى بعده إسما، ويكون ذلك كله معربا، وأيضا فإنك تقول هيهات المنازل وهيهات الديار، فلو كان هيهات مبتدأ لوجب أن يجمع إذ لا يكون المبتدأ واحدا والخبر جمعا.
وأظن الذي حمل أبا إسحاق على أن هيهات معناه البعد رفعا أنه لم ير في قوله هيهات فاعلا ظاهرا مرتفعا، فحمله على أن موضعه رفع كالبعد، والقول في هذا أن في هيهات ضميرًا مرتفعًا، وذلك أن الضمير عائد إلى قوله: “إنكم مخرجون” الذي هو بمعنى الإخراج فصار في هيهات هذا الضمير العائد إلى الأخراج فصار في هيهات ضميرا له، والمعنى: هيهات إخراجكم للوعد أي: بعد إخراجكم الوعد، ففاعل هيهات في قول الشاعر: فهيهات العقيق الاسم الظاهر، وإنما كرر هيهات في الآية والبيت للتأكيد.
وأما قوله: ويقال هيهات ما قلت وهيهات لما قلت، فمن قال هيهات فمعناه: البعد لما قلت، ومن قال هيهات