كتاب مكة بإسناده الصحيح عن ابن جريج، قال: كنا مع عطاء فى المسجد الحرام، فتذاكرنا ابن عباس وفضله، وكان ابن عبد الله بن عباس وابنه محمد فى الطواف، فعجبنا من تمام قامتهما، وحسن وجوههما، فقال عطاء: وأين حسنهما من حسن ابن عباس، ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس.
رُوى لابن عباس عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخارى بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. روى البيهقى بإسناده فى مناقب الشافعى فى باب ما يستدل به على معرفته بصحة الحديث عن الشافعى، قال: لم يثبت عن ابن عباس فى التفسير إلا شبيه بمائة حديث. روى عنه ابن عمر، وأنس، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل، وروى عنه خلائق لا يحصون من التابعين.
ولد ابن عباس عام الشعب فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن عشر، وهو ضعيف، وقيل: ابن خمس عشرة، ورجحه أحمد بن حنبل وغيره. وثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: مررت فى حجة الوداع على أتان بين يدى الصف والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلى بالناس بمنى وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام.
وتوفى بالطائف سنة ثمان وستين، قاله الواقدى، وابن أبى شيبة، وأحمد بن حنبل، وابن نمير، وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة سبعين. وحكى ابن الأثير قولاً: أنه سنة ثلاث وسبعين، وضعفه وهو غريب ضعيف أو باطل. وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقال: اليوم مات ربانى هذه الأمة.
روينا عن ميمون بن مهران، قال: شهدت جنازة ابن عباس، فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض فوقع على أكفانه فدخل فيها، فالتمس فلم يوجد، فلما سوى عليه التراب سمعنا مَن يُسمع صوته ولا يُرى شخصه يقرأ:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى}[الفجر: ٢٧ - ٣٠] .
وروينا نحوه عن سعيد بن جبير فى تاريخ دمشق: وكان قد كف بصره فى آخر عمره، وكذلك العباس وجده عبد المطلب، وكان يخضب لحيته بالصفرة، وقيل: بالحناء، وحج بالناس حين