فلزمه الوفاء بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقًا، وصح ذلك بخلاف غيره، وقيل: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فيما بعد، وهذا أصح، وذكر الأصحاب فى هذا النوع أشياء كثيرة جدًا حذفتها.
الضرب الرابع: ما اختص به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفضائل والإكرام: فمنه أن أزواجه اللائى توفى عنهن محرمات على غيره أبدًا، وفيمن فارقها فى الحياة أوجه أصحها تحريمها، وهو نص الشافعى، رحمه الله، فى أحكام القرآن، وبه قال أبو على بن أبى هريرة؛ لقوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب: ٦] ، والثانى: يحل، والثالث: يحرم التى دخل بها فقط. فإذا قلنا بالتحريم، ففى أمة يفارقها بوفاة أو غيرها بعد الدخول وجهان. ومنه أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من توفيت تحته ومن توفى عنها، وذلك فى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، وتحريم حقوقهن لا فى النظر والخلوة، وتحريم بناتهن وإخواتهن، فلا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال وخالات المؤمنين.
وقال بعض أصحابنا: يطلق اسم الإخوة على بناتهن، واسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، وهذا ظاهر نص الشافعى، رحمه الله، فى مختصر المزنى. وهل كن أمهات المؤمنات؟ فيه وجهان صحابنا، أصحهما: لا، بل هن أمهات المؤمنين دون المؤمنات، وهو المنقول عن عائشة، رضى الله عنها، بناء على المذهب المختار لأهل الأصول أن النساء لا يدخلن فى ضمير الرجال.
وقال البغوى من أصحابنا: ويقال للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبو المؤمنين والمؤمنات. ونقل الواحدى عن بعض أصحابنا أنه لا يقال ذلك؛ لقوله تعالى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ}[الأحزاب: ٤٠] . قال: ونص الشافعى، رضى الله عنه، على جوازه، أى أبوهم فى الحرمة.
قال: ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. وفى الحديث الصحيح فى سنن أبى داود وغيره، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"إنما أنا لكم مثل الوالد"(١) ، قيل: فى الشفقة، وقيل: فى ألا يستحيوا من سؤالى عما يحتاجون إليه من أمر العورات وغيرها، وقيل: فى ذلك كله وغيره، وقد أوضحت ذلك كله فى كتاب الاستطابة من شرح
(١) أخرجه الشافعى (١/١٣) ، وابن حبان (٤/٢٨٨، رقم ١٤٤٠) ، والبيهقى (١/٩١، رقم ٤٣٥) .