أحضر النية، ولا يتكلم فى مسألة إلا قدَّم الاستعاذة بالله تعالى، وأخلص القصد فى نصرة الحق، ولا صنَّف شيئًا إلا بعدما صلى ركعات، فلا جرم شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقًا وغربًا ببركة إخلاصه. قالوا: وكان مستجاب الدعوة.
قال القاضى محمد بن محمد الماهانى: إمامان لم يتفق لهما الحج: أبو إسحاق الشيرازى، والقاضى أبو عبد الله الدامغانى. أنشد السمعانى وغيره للرئيس أبى الخطاب على بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح شعرًا:
سقيا لمن ألف التنبيه مختصرًا
إن الإمام أبا إسحاق صنفه
رأى علومًا عن الأفهام شاردة
بقيت للشرع إبراهيم منتصرًا
ألفاظه الغر واستقصى معانيه
لله والدين لا للكبر والتيه
فخازها ابن على كلها فيه
تذود عنه أعاديه وتحميه
قوله: مختصرًا، بكسر الصاد وألفاظه منصوبة. ولأبى الخطاب أيضًا:
أضحت بفضل أبى إسحاق ناطقة
بها المعانى كسلك العقد كامنة
رأى علومًا وكانت قبل شاردة
ولا زال علمك ممدودًا سرادقه
صحائف شهدت بالعلم والورع
واللفظ كالدر سهل صد ممتنع
فخازها الألمعى الندب فى اللمع
على الشريعة منصورًا على البدع
ولأبى الحسن القابسى:
إن شئت شرع رسول الله مجتهدًا
فاقصد هديت أبا إسحاق مغتنمًا
تفتى وتعلم حقًا كلما شرعا
وادرس تصانيفه ثم احفظ اللمعا
ونقل عنه، رحمه الله، أنه قال: بدأت فى تصنيف المهذب سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وفرغت منه يوم الأحد آخر رجب سنة تسع وستين وأربعمائة. توفى ببغداد يوم الأحد، وقيل: ليلة الأحد الحادى والعشرين من جمادى الآخرة، وقيل: الأولى، سنة ثنتين وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب البرز، وصلى عليه من الخلائق ما لا يعلمه إلا الله، ورؤى فى النوم وعليه ثياب بيض، فقيل له: ما هذا؟ فقال: عز العلم، رحمه الله.