فقال له: يا شيخ، فكان يفرح بذلك ويقول: سمانى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيخًا. وقال: كنت أعيد كل درس مائة مرة، وإذا كان فى المسألة بيت شعر يستشهد به حفظت القصيدة كلها من أجله.
وكان عاملاً بعلمه، صابرًا على خشونة العيش، معظمًا للعلم، مراعيًا للعمل بدقاته وبالاحتياط. كان يومًا يمشى وبعض أصحابه معه، فعرض له فى الطريق كلب، فحسره صاحبه، فنهاه الشيخ، وقال: أما علمت أن الطريق بينى وبينه مشترك. ودخل يومًا مسجدًا ليأكل فيه شيئًا على عادته، فنسى دينارًا فذكره فى الطريق، فرجع وجده فتركه ولم يمسه، وقال: ربما وقع من غيرى ولا يكون دينارى.
قال الحافظ أبو سعد السمعانى: كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية، والمدرس ببغداد فى النظامية، شيخ الدهر، وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأقطار، وقصدوه من كل النواحى والأمصار، وكان يجرى مجرى أبى العباس بن سريج. قال: وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، ظريفًا، كريمًا، سخيًا، جوادًا، طلق الوجه، دائم البشر، حسن المحاورة، مليح المجاورة، وكان يحكى الحكايات الحسنة، والأشعار المليحة، وكان يحفظ منها كثيرًا، وكان يضرب به المثل فى الفصاحة.
وقال السمعانى أيضًا فى موضع آخر: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازى بالعلم الوافر، كالبحر الزاخر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية، جاءته الدنيا صاغرة فأباها، وأطرحها، وقلاها. قال: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأصحابه، وصنَّف فى الأصول، والفروع، والخلاف، والجدل، كُتبًا أضحت للدين أنجمًا وشُهبًا. قال: وكان يكثر مباسطة أصحابه ويكرمهم ويعظمهم، ويشترى طعامًا كثيرًا، فيدخل بعض المساجد فيأكل كل منه مع أصحابه، وما فضل تركوه لمن يرغب فيه، وكان طارحًا للتكلف.
قال القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى الأنصارى: حملت إليه فتوى، فرأيته فى الطريق، فمضى إلى دكان خباز أو بقال، وأخذ دواته وقلمه، وكتب جوابه، ومسح القلم فى ثوبه، وكان ذا نصيب وافر من مراقبة الله تعالى، والإخلاص، وإرادة إظهار الحق، ونصح الخلق.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا