وقدم بغداد فسمع موسى بن جعفر بن عمرو، وأبا الحسن الدارقطنى، والمعافا بن زكريا، والجريرى، بفتح الجيم، واستوطن بغداد ودرس بها وأفتى، ثم ولى القضاء بربع الكرخ بعد وفاة أبى عبد الله الصيمرى، فلم يزل على القضاء إلى حين وفاته.
قال الخطيب: واختلفت إليه، وعلقت عنه الفقه سنين عدة، وسمعته يقول: ولدت بآمل سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وخرجت إلى جرجان للقاء أبى بكر الإسماعيلى والسماع منه، فدخلت البلد يوم الخميس، واشتغلت بدخول الحمام، فلما جئت من الغد لقينى ابنه أبو سعد، فقال: شرب دواء لمرض كان به، فتجىء غدًا تسمع منه، فجئت من الغد يوم السبت، فإذا هو قد توفى بالليل. وابتدأ بالتفقه وله أربع عشرة سنة، ولم يخل به يومًا واحدًا حتى مات.
وقال أبو محمد البافى، بالفاء: أبو الطيب الطبرى أفقه من أبى حامد الإسفراينى. وقال الإسفراينى: أبو الطيب أفقه من البافى. قال الخطيب: وكان أبو الطيب ثقة، صادقًا، دينًا، ورعًا، عارفًا بأصول الفقه وفروعه، محققًا فى علومه، سليم الصدر، حسن الخلق، صحيح المذهب، جيد اللسان، يقول الشعر على طريقة الفقهاء. توفى يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، ودفن من الغد فى مقبرة باب حرب، وحضرت الصلاة عليه فى جامع المنصور.
قلت: ومن غرائب القاضى أبى الطيب قوله: إن خروج المنى ينقض الوضوء، والصحيح الذى قاله جمهور أصحابنا لا ينقضه، بل يوجب الغسل فقط. ومنها ما حكاه عنه صاحب الشيخ أبو إسحاق صاحب المهذب فى تعليقه أنه لو فرقت صيعان صبرة، فباع واحدًا مبهمًا صح البيع لعدم الضرر، والصحيح الذى قطع به جمهور أصحابنا بطلانه. ومنها أنه قال: إذا صلى الكافر فى دار الحرب كانت صلاته إسلامًا، والصحيح المنصوص للشافعى وجمهور الأصحاب أنها ليست بإسلام إلا أن تُسمع منه الشهادتان.