وفي حديث أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والعتاق" هكذا وقع هذا الحديث في "الوسيط" وكذا وقع في بعض نسخ "المهذب" وفي بعضها والرجعة بدل العتاق، وهذا هو الصواب، وهكذا رواه أئمة الحديث: النكاح، والطلاق، والرجعة، رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم. قال الترمذي: هو حديث حسن.
وقوله في دعاء الاستفتاح:"وتعالى جدك" مفتوح الجيم أي ارتفعت عظمتك، وقيل المراد بالجد الغنى وكلاهما حسن، ولم يذكر الخطابي إلا العظمة، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}(الجن: من الآية٣) أي عظمته، وقوله:"ولا ينفع ذا الجد منك الجد" هو بفتح الجيم فيهما على الصحيح المشهور، وحكى ابن عبد البر وجماعة كسر الجيم أيضًا. قال الزجاج: يقال جد في الأمر وأجد إذا ترك الهوينى. قال: ومنه جاد مجد.
جدل: الجدل والجدال والمجادلة مقابلة الحجة بالحجة، وتكون بحق وباطل فإن كان للوقوف على الحق كان محمودًا. قال الله تعالى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل: من الآية١٢٥) وإن كان في مرافعة أو كان جدالاً بغير علم كان مذمومًا. قال الله تعالى:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}(غافر: من الآية٤) وأصله الخصومة الشديدة وسمي جدلاً لأن كل واحد منهما يحكم خصومته وحجته إحكامًا بليغًا على قدر طاقته تشبها بجدل الحبل، وهو إحكام قتله، يقال جادله يجادله مجادلة وجدالا، وعلى هذا التفصيل الذي ذكرته ينزل ما جاء في الجدل من الذم والإباحة والمدح، وقد ذكر الخطيب في كتابه كتاب "الفقيه والمتفقة" جميع ما جاء في الجدل ونزله على هذا التفصيل وبين ذلك أحسن بيان، وكذلك ذكره غيره، وقد صار الجدل علما مستقلا، وصنفت فيه كتب لا تحصى، وممن صنف فيه الشيخان صاحبا هذه الكتب أبو إسحاق، والغزالي، وكتاباهما معروفان. وأول من صنف فيه أبو علي الطبري ذكر في "المهذب" في باب العقيقة أن في الحديث أنها تطبخ جدولا وهو بضم الجيم والدال، وهو الأعضاء، وأحدها جدل بفتح الجيم وإسكان الدال، فمعنى الحديث أنها تفصل أعضاؤها ولا تكسر وذكر في باب المياه في "الوسيط" الجدول وهو بفتح الجيم وإسكان الدال وفتح الواو وهو النهر الصغير.