التتمة وصاحب العدة وغيرهم بخلاف هذا، فقالوا: دم الاستحاضة ضربان: متصل بدم الحيض، وغير متصل، فالمتصل: أن ترى البالغة الدم، وتجاوز خمسة عشر، وغير المتصل: التي لها دون تسع سنين إذا رأت الدم، والكبيرة إذا رأته وانقطع لدون يوم وليلة.
وهذا الذي قاله هؤلاء صحيح مليح موافق لما قدمته عن إمامي اللغة الأزهري والهروي، وقد استعمل في المهذب والتنبيه الاستحاضة بهذا المعنى، فقال في المهذب في فصل النفاس: فإن أدر الدم قبل الولادة خمسة أيام، فمن أصحابنا من قال: هو استحاضة، وقال في التنبيه: وفي الدم الذي تراه الحامل قولان: أصحهما أنه حيض، والثاني: أنه استحاضة، والله تعالى أعلم.
وذكر أصحابنا اختلاف العلماء في المحيض المذكور في القرآن العزيز، قالوا: مذهبنا أن الحيض والمحيض بمعنى الحيض، كما قدمناه. وقال بعض العلماء: هو زمن الحيض. وقال بعضهم: مكان الحيض هو نفس الفرج. وقد أوضحت هذا كله بأدلته في شرح المهذب.
قال صاحب الحاوي: وللحيض خمسة أسماء أخر الطمث، ويقال: امرأة طامث، والعراك: ويقال: امرأة عارك ونسوة عوارك، والضحك: وامرأة ضاحك ونسوة ضواحك، والاكبار: والمرأة مكبر، والاعصار: والمرأة المعصر، وأنشد في كل هذا أبياتا أوضحتها في شرح المهذب.
قال: قال الجاحظ في كتاب الحيوان: والذي يحيض من الحيوان أربع: المرأة والأرنب والخفاش والضبع. وروينا في سنن الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: أنه قيل لعائشة رضي الله عنها: ما تقولين في العراك، قالت: الحيض تعنون، قالوا: نعم، قالت: سموه كما سماه الله عز وجل. وثبت في الصحيح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الحيض:"هذا شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم فظاهره أنه لم يزل فيهن".
وحكى أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن بعض العلماء: أنه قال: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل. قال البخاري: وحديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر يعني أنه عام في جميع بنات آدم. وحكى صاحب الحاوي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب ابتداء الحيض: أن الله عز وجل قال: يا آدم ما حملك على أكل الشجرة، قال: زينته لي حواء، قال: إني عاقبتها لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها، ودميتها، والله تعالى أعلم.
وأعلم: أن باب الحيض من الأبواب العويصة، وقد اعتنى أصحابنا رحمهم الله تعالى بإيضاحه، فبينوه أحسن بيان، وبسطوه