أكمل مقنع، وأبلغ كفاية. روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “المدينة حرم ما بين عير إلى ثور” هكذا هو في الصحيح، وغيرهما “عير إلى ثور” وعير بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره من العلماء: عير جبل بالمدينة، وأما ثور فجبل لا يعرف أهل المدينة بها جبلاً. يقال له: ثور، قالوا: فنرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد. وقال الحازمي: الرواية الصحيحة ما بين عير إلى أحد. وقيل: إلى ثور، وليس بشيء.
وثبت في الصحيحين من روايات جماعة من الصحابة رفعوه “ما بين لآبتيها حرام” وفي مسلم “ما بين مأزميها واللابة” والمأزم معروفان مذكوران في هذا الكتاب في موضعهما.
قال الماوردي: واختلف الناس في مكة وما حولها هل صارت حرمًا وأمنا بسؤل إبراهيم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم كانت قبله؟ كذلك على قولين: أحدهما: لم تزل حرما آمنا من الجبابرة ومن الخسوف والزلازل، وإنما سأل إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه وتعالى أن يجعله آمنا من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من كل الثمرات، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس” رواه البخاري في صحيحه من رواية أبي شريح وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة: “فإن هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال لأحد قبلي، وأنه لم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام حرمة الله إلى يوم القيامة” رواه البخاري في صحيحه في كتاب الحج بهذا اللفظ من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، والقول الثاني: إن تحريمها كان بسؤال إبراهيم عليه السلام وكانت قبله حلالاً، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة” رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الماوردي: والذي يختض به حرم مكة من الأحكام التي تخالف سائر البلاد خمسة أحكام، أحدها: أن لا يدخلها أحد إلا بإحرام حج أو عمرة. والثاني: ألا يحارب أهلها فإن بغوا على أهل العدل، فقد ذهب بعض إلى تحريم قتالهم، ويضيق عليهم حتى يرجعوا عن البغي، ويدخلوا في أحكام أهل العدل، والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيهم