وتقديمه هو المنصوص. وذكرت أيضا قول صاحب البحر أنه إن قرن هديين في حبل أشعر أحدهما في الصفحة اليمنى والآخر في اليسرى ليشاهدا.
وأعلم أن الإشعار سنة للأحاديث الصحيحة، ولا نظر إلى ما فيه من الإيلام؛ لأنه لا منع إلا ما منعه الشرع، وهذا الإيلام شبيه بالوسم والكي.
وذكر أصحابنا للإشعار فوائد: منها إذا اختلطت بغيرها تميزت. ومنها إذا ضلت عرفت، ومنها أن السارق ربما ارتدع فتركها، ومنها أنها قد تعطب فتنحر، فإذا رأى المساكين عليها العلامة أكلوها، ومنها أن المساكين يتبعونها إلى المنحر لينالوا منها، ومنها إظهار هذا الشعار العظيم، وفيه حث لغيره على التشبه به.
قوله في الوسيط والوجيز في أول الحج في ركوب البحر: لا يلزم المستشعر هو الجبان، وهو بسكون الشين قبل العين وكسر العين. وقوله في الوجيز: يلزم غير المستشعر دون الجبان، هو مما أنكره عليه الإمام الرافعي، فقال: الجبان والمستشعر هنا بمعنى. قال: ولو قال: لم يلزم غير المستشعر دون المستشعر، أو غير الجبان دون الجبان، لكان أحسن وأقرب إلى الأفهام. وقد استعمل في الوسيط حسنا، فقال: المستشعر وغير المستشعر.
قال الإمام أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه الشافي في علم القوافي: قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه، ومشطور السريع ومنهوك المنسرح ليس بشعر، لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الله مولانا ولا مولى لكم” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا هم إن الدار دار الآخرة” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الجار قبل الدار” قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك أن الشاعر إنما سمي شاعرًا لوجوه: منها أنه شعر القول وقصده وأراده واهتدى إليه وأتى به كلاما مزونا على طريقة الضرب مقفى.
فأما إذا خلا من هذه الأوصاف أو بعضها فلا يستحق أن يسمى شاعرًا ولا قوله شعرًا، بدليل أنه لو قال كلامًا موزونًا إنه لم يقصد به الشعر، ولم يقفه لم يسم ذلك الكلام شعرًا ولا قائله شاعرًا بإجماع