نفوسهم أكثر للواقع المحسوس قدرا؛ ولأنهم أهل لهو وخمر كانوا أشد لجزاء الآخرة إنكارا. فكانوا يحسبون ما يلقاه الإنسان في هذه الحياة من خير أو شرّ جزاء عمله، ولا جزاء عنه بعد الحياة. ولذلك كان أكثر ما نزل من الوحي نذيرا وبشيرا قد نزل بمكة في أوّل الرسالة، حرصا على الخلاص لأرواح هؤلاء الذين بعث محمد بينهم.
ولقد كان جديرا بأن ينبههم إلى ما هم فيه من غيّ وضلالة؛ جديرا بأن يرتفع بهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد القهار.
[في سبيل الخلاص]
في سبيل هذا الخلاص الروحي لأهله وللناس كافة احتمل محمد ومن آمن به من ألوان الأذى وصور التضحية، ومن آلام النفس والجسد. ومن الارتحال عن الوطن، ومن عداوة الأهل والولد، ما مرّ بك شيء منه. وكأنما كان محمد يزداد لأهله حبّا وعلى خلاصهم حرصا كلما ازدادوا إيذاء له ومساءة. ويوم البعث والحساب كان آية الآيات التي يجب ان يتنبّهوا لها لتنقذهم من شرّ وثنيتهم ومن التورّط في آثامهم. لذلك لم يكن الوحي في السنوات الأولى يفتر عن إنذارهم بها وتفتيح عيونهم عليها، مع أنهم كانوا يمنعون في إنكارها وفي الازورار عنها، مما دعاهم إلى إشعال هذه الحرب الضّروس التي لم تهدأ بينهم وبين محمد ثائرتها «١» ، حتى تمّ للإسلام النصر، وحتى أظهر الله دينه على الدين كله.