وقف عليّ في الناس وهم يؤدّون مناسك الحج بمنى، فتلا عليهم هذه الآيات من سورة التوبة نقلناها هنا كاملة لغرض سنبينه. فلما أتم تلاوتها وقف هنيهة ثم صاح بالناس:«أيها الناس! إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم عهد فهو إلى مدّته» .
صاح عليّ في الناس بهذه الأوامر الأربعة، ثم أجّل الناس أربعة أشهر بعد ذلك اليوم ليرجع كلّ قوم إلى مأمنهم وبلادهم. ومن يومئذ لم يحجّ مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ومن يومئذ وضع الأساس الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية.
[الأساس المعنوي للدولة الناشئة]
هذا الأساس هو الذي جعلنا نسجل هنا صدر سورة التوبة كلّه. والحرص على أن يدرك العرب جميعا هذا الأساس هو الذي دعا عليّا إلا ألا يكتفي بقراءة هذه الآيات من براءة يوم الحج، على ما اتفقت عليه الرواية، بل جعله يقرؤها على الناس من بعد ذلك في منازلهم، على ما جاءت به روايات كثيرة. وإنك إذ تتلو صدر «براءة» وتعيد تلاوته بإمعان ورويّة لتشعر حقّا بأنه الأساس المعنوي في أقوى صورة لكل دولة ناشئة تقوم. ونزول «براءة» كلها بعد آخر غزوة من غزوات النبيّ، وبعد أن جاء أهل الطائف يعلنون انضمامهم