زواج عبد الله من آمنة- وفاة عبد الله- مولد محمد- رضاعه في بني سعد- قصة الملكين- مقامه خمس سنوات بالبادية- موت آمنة- كفالة عبد المطلب إياه- موت عبد المطلب- كفالة أبي طالب إياه- خروجه إلى الشام في الثانية عشرة من عمره- حرب الفجار- رعية الغنم- خروجه في تجارة خديجة إلى الشام- زواجه بخديجة.
[زواج عبد الله من آمنة]
كان عبد المطلب قد جاوز السبعين أو ناهزها حين حاول أبرهة مهاجمة مكة وهدم البيت العتيق. وكان ابنه عبد الله في الرابعة والعشرين من سنه. فرأى أن يزوّجه، فاختار له آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة سيد بني زهرة إذ ذاك سنّا وشرفا. وخرج به حتى أتى منازل بني زهرة ودخل وإياه عند وهب وخطب إليه ابنته.
ويذهب بعض المؤرخين إلى أنه إنما ذهب إلى أهيب عم آمنة؛ لأن أباها كان هلك وكانت هي في كفالة عمها.
وفي اليوم الذي تزوّج عبد الله فيه من آمنة تزوج عبد المطلب من ابنة عمها هالة، فأولدها حمزة عمّ النبيّ وضريبه في سنه.
وأقام عبد الله مع آمنة في بيت أهلها ثلاثة أيام، على عادة العرب حين يتم الزواج في بيت العروس.
فلما انتقل وإياها إلى منازل بني عبد المطلب لم يقم معها طويلا، إذ خرج في تجارة إلى الشام، وتركها حاملا، وتختلف الروايات في أمر عبد الله وهل تزوج غير آمنة، وهل عرضت عليه نساء غيرها أنفسهن. والوقوف لتقصيّ أمثال هذه الروايات لا غناء فيه. وكل ما يمكن الاطمئنان إليه أن عبد الله كان شابّا وسيما قويّا؛ فلم يكن عجبا أن تطمع غير آمنة في الزواج منه. فلما بنى بها تقطّعت بغيرها أسباب الأمل ولو إلى حين. ومن يدري، لعلهن قد انتظرن أوبته من رحلته إلى الشام ليكنّ زوجات له مع آمنة. ومكث عبد الله في رحلته هذه الأشهر التي يقتضيها الذهاب إلى غزّة والعود منها، ثم عرّج على أخواله بالمدينة يستريح عندهم من وعثاء السفر ليقوم بعد ذلك في قافلة إلى مكة؛ لكنه مرض عند أخواله فتركه رفاقه؛ حتى إذا بلغوا مكة أخبروا أباه بمرضه.
ولم يلبث عبد المطلب حين سمع منهم أن أوفد الحارث أكبر بنيه إلى المدينة ليعود بأخيه بعد إبلاله. وعلم الحارث حين بلغ المدينة أن عبد الله مات ودفن بها بعد شهر من مسير القافلة إلى مكة، فرجع أدراجه ينعي أخاه إلى أهله ويثير من قلب عبد المطلب ومن قلب آمنة همّا وشجنا، لفقد زوج كانت آمنة ترجو في حياته هناءة وسعادة. وكان عبد المطلب عليه حريصا حتى افتداه من آلهته فداء لم تسمع العرب من قبل بمثله.