(٢) روى الطبري في تفسير هذه الآية: أن الذين آمنوا هم الذين صدقوا رسول الله، والذين هادوا هم اليهود، وإنما سموا اليهود من قولهم إنا هدنا إليك أي تبنا. والنصارى هم أتباع عيسى؛ وتسميتهم النصارى هي في قول نسبة إلى الناصرة وهي القرية التي ولد بها عيسى بفلسطين وفي قول آخر لقول عيسى: من أنصاري إلى الله، فسمي أنصاره نصارى. والصابئون هم في رأي: الذين يعبدون الملائكة، وفي رأي آخر: قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم كتاب ولا نبي ولا عمل إلا قول لا إله إلا الله، وفي رأي ثالث:: أن الصابئين لا دين لهم. وفسر ابن جرير الآية بأنه تعالى يعني بقوله (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من صدق وأقر بالبعث بعد الممات يوم القيامة وعمل صالحا فأطاع الله فلهم أجرهم عند ربهم، أي فلهم ثواب عملهم الصالح عند ربهم. وأما قوله، (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فإنه يعني به جل ذكره، لا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده. وقد أورد بن جرير بعد ذلك أن هذه الآية نزلت في نصارى هدوا سلمان الفارسي إلى دينهم وذكر له أحدهم أن نبيا سيظهر في بلاد العرب ودله على إمارات نبوته ونصح له أن يتبعه إن لحقه. فلما أسلم سلمان وذكر للنبي أمر هؤلاء النصارى قال له النبي: هم يا سلمان من أهل النار، فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) إلخ. وفي رأي. أن الله نسخ هذه الآية بقوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) . لكن ابن جرير يضيف: إن الذي قلنا من التأويل الأول أشبه بظاهر التنزيل لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان بعض خلقه دون بعض منهم. والخبر بقوله من آمن بالله واليوم الآخر عن جميع ما ذكر في أول الآية. وربما أمكن القول تأييدا لرأي ابن جرير في تأويل الآية: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) أنها إنما تنصرف إلى المسلمين الذين يبتغون غير الإسلام دينا بعد أن ولدوا في الإسلام أو آمنوا به. فأما من ولد غير مسلم، ولم تبلغه رسالة الدعوة الإسلامية على حقيقتها من غير تشويه، فشأنه شأن الذين سبقوا رسالة محمد أو عاصروه ولم يعرفوا رسالته على حقيقتها (راجع تفسير الطبري الجزء الأول صفحة ٢٥٣ إلى ٢٥٧) .