اتجاه نظر محمد إلى الشام- توجيهه ثلاثة آلاف لغزوها- لواؤهم لزيد بن حارثة، فإن أصيب فلجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فلعبد الله بن رواحة- الروم في مائة ألف أو مائتي ألف- التقاء الجيشين بمؤتة- موت الثلاثة أصحاب اللواء على التعاقب- الراية لخالد بن الوليد- مداورته وانسحابه.
[مناوشات صغيرة]
لم يكن محمد يستعجل فتح مكة وهو يعلم أن الزمن في صفه، كما أن عهد الحديبية لم يكن قد مضى عليه غير عام واحد، ولم يكن قد جدّ ما يوجب نقضه. ومحمد رجل وفاء لا ينقض كلمة قال ولا عهدا عقد. لذلك ذهب إلى المدينة فأقام بضعة أشهر لم تقع خلالها غير مناوشات صغيرة؛ كإرسال خمسين رجلا إلى بني سليم ليدعوهم إلى الإسلام وغدر بني سليم بهم وقتلهم إيّاهم بغيا بغير حق، حتى لم ينج رئيسهم إلا بمحض المصادفة؛ وكغزو جماعة من بني اللّيث والظفر بهم والغنم منهم؛ وكمعاقبة بني مرّة على ما غدروا من قبل؛ وكإرسال خمسة عشر رجلا إلى ذات الطّلح على حدود الشام يدعون إلى الإسلام دعوة كان جزاؤهم عنها القتل لم ينج منه إلا رئيسهم. وقد كانت ناحية الشام وهذه الجهات الشمالية متّجه نظر النبيّ منذ أمن الجنوب بعهده مع قريش وبإذعان عامل اليمن لدعوته. ذلك أنه كان يتوسّم طريق انتشار دعوته إلى الإسلام أوّل مغادرتها حدود شبه الجزيرة، فيرى الشام والبلاد المجاورة هي المنفذ الأوّل لهذه الدعوة. لذلك لم تمض أشهر على مقامه بالمدينة بعد عوده من عمرة القضاء حتى وجّه ثلاثة آلاف هم الذين قاتلوا في مؤتة مائة ألف في رواية؛ ومائتي ألف في رواية أخرى.
[غزوة مؤتة]
ويختلف الرواة في سبب غزوة مؤتة هذه؛ فيذهب بعضهم إلى أن قتل أصحابه في ذات الطّلح كان سبب الغزو لتأديب هؤلاء الغادرين، ويذهب آخرون إلى أن النبيّ أرسل رسولا من رسله إلى عامل هرقل على بصرى وأن أعرابيّا من غسّان قتل هذا الرسول باسم هرقل، فبعث محمد بالذين قاتلوا في مؤتة لتأديب العامل ومن ينصره.
وكما كان عهد الحديبية مقدمة عمرة القضاء ففتح مكة، كانت غزوة مؤتة مقدمة تبوك وما كان بعد وفاة النبيّ من فتح الشام. وسواء أكان السبب الذي أدّى إلى غزوة مؤتة هو قتل رسول النبيّ إلى عامل بصرى أم