لريبة فيها، وأنه حرّف بعد وفاة النبي وفي صدر الإسلام، وأضيفت إليه أثناء ذلك آيات لأغراض دينية أو سياسية. ولست أناقش صاحب الرسالة من ناحية إسلامية فأحاجّه، وهو مسلم، بما يقرره الإسلام من أن القرآن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو يذهب مذهب المستشرقين من أن القرآن كتاب وضعه محمد، عن إيمان منه بأن هذا الكتاب وحي الله في رأي طائفة من هؤلاء المستشرقين، وحرصا منه على إثبات رسالته بما يذكر من أن هذا القرآن وحي الله إليه في رأي الآخرين. فلأخاطبه إذا بلغته على أنه من أحرار الفكر الذين لا يريدون أن يتقيدوا إلا بما يثبته العلم إثباتا يقينيّا.
[فرية تحريف القرآن]
هو يعتمد على المستشرقين وما يقولونه. ومن المستشرقين طائفة تزعم بالفعل في أمر القرآن ما نقله عنهم.
لكن زعمهم هذا يدلّ على أنهم إنما تدفعهم إليه أغراض يبرأ منها العلم ولا تخفى على أحد. وحسبك دليلا على ذلك قولهم: إن عبارة «ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» ، التي وردت في الآية السادسة من سورة الصف، إنما أضيفت بعد وفاة النبي لالتماس الدليل على نبوّة محمد ورسالته من الكتب المقدّسة السابقة للقرآن. فلو أن الذين قالوا هذا القول من المستشرقين كانوا يخلصون للعلم حقّا لما لجأوا إلى مثل هذا التدليل القائم عندهم على أن التوراة والإنجيل كتابان مقدّسان بالفعل. فلو أنهم كانوا يريدون العلم للعلم لسوّوا بين القرآن والكتب المقدّسة التي سبقته؛ فإمّا اعتبروه مقدّسا مثلها، فذكره الكتب المقدّسة التي عرفها الناس قبله طبيعي لا محل لرفضه. وإمّا اعتبروا هذه الكتب كما اعتبروا القرآن وقالوا في شأنها ما قالوه في شأنه، وقرّروا أن أصحابها وضعوها لأغراض دينية أو سياسية خاصة. ولو أنهم قالوا مثل هذا القول لقضى المنطق بفساد ما ذهبوا إليه من تحريف القرآن لأغراض سياسية أو دينية، فما كان للمسلمين أن يلتمسوا الحجة من هذه الكتب بعد أن اطمأن ملكهم ودانت لهم الإمبراطورية المسيحية كما دان لهم غيرها من أمم الأرض، وبعد أن دخل المسيحيون في الإسلام أفواجا بل أمما كاملة. هذا هو المنطق الذي يقتضيه البحث العلمي النزيه. أمّا اعتبار التوراة والإنجيل مقدّسين، ونفي هذه الصفة عن القرآن فأمر لا يسوّغه العلم. وأمّا القول بتحريفه التماسا للحجة من التوراة والإنجيل فهراء لا يقره التاريخ ولا يرضاه المنطق.
والذين زعموا هذا الزعم الفاسد من المستشرقين هم قلة بين أشدّ المستشرقين تعصّبا. أما كثرتهم فيقرون بأن القرآن الذي نتلوه اليوم هو بعينه القرآن الذي تلاه محمد على المسلمين أثناء حياته، لم يحرّف ولم يبدّل.
وهم يحرصون على أن يذكروا هذا وإن أضافوا إليه من عبارات النقد للنظام الذي جمع القرآن به ولترتيب السور فيه ما لا يدخل تمحيصه في نطاق هذا البحث. وقد تناول المشتغلون بعلوم القرآن من المسلمين أوجه النقد هذه ودفعوها. أما ما نحن الآن في صدده فحسبنا فيه أن نقتطف بعض ما ذكره المستشرقين عنه، لعله يقنع المصري المسلم الذي نناقش هاهنا رسالته، ولعله يقنع الدين يفكرون على شاكلته.
[موير ينكر هذه الفرية]
وما أورده المستشرقون من ذلك كثير، نختار منه بعض ما كتبه السير وليم موير في كتابه «حياة محمد» . ليرى هؤلاء الذين أسرفوا على التاريخ وعلى أنفسهم شدّة ما أسرفوا حين اطمأنوا إلى ما قيل عن تحريف القرآن وتبديله. وموير مسيحي شديد الحرص على مسيحيته والدعوة إليها، شديد الحرص لذلك على ألا يدع موضعا لنقد نبي الإسلام وكتابه دون الوقوف عنده ومحاولة دعمه.
يقول سيروليم موير، عند كلامه عن القرآن ودقة وصوله إلينا، ما ترجمته: «كان الوحي المقدس أساس