الأمر بالهجرة- عليّ في فراش النبي- في غار ثور- الخروج إلى يثرب- قصة سراقة بن جعشم- مسلمو يثرب في انتظار الرسول- الإسلام بيثرب- دخول محمد المدينة.
[الأمر بالهجرة]
اتصل بمحمد نبأ ما بيتت قريش لقتله مخافة هجرته إلى المدينة واعتزازه بها، وما قد يجر ذلك على مكة من أذى، وعلى تجارتها مع الشام من بوار، ولم يكن أحد يشك في أن محمدا سينتهز الفرصة فيهاجر. على أن ما أحاط به نفسه من كتمان لم يجعل لأحد إلى سره سبيلا، حتى أبو بكر، الذي أعد راحلتين منذ استأذن النبي في الهجرة فاستمهله، قد بقي لا يعرف من الأمر إلا قليلا. ولقد ظل محمد بمكة حتى علم من أمر قريش ما علم، وحتى لم يبق من المسلمين بها إلا القليل. وإنه لينتظر أمر ربه إذا أوحي إليه أن يهاجر. هنالك ذهب إلى بيت أبي بكر وأخبره بأن الله أذن له في الهجرة؛ وطلب الصدّيق أن يصحبه في هجرته فأجابه إلى ما طلب.
عليّ في فراش النبي
هنا تبدأ قصة من أجلّ ما عرف تاريخ المغامرة في سبيل الحق والعقيدة والإيمان قوة وروعة. كان أبو بكر قد أعد راحلتيه ودفعهما إلى عبد الله بن أريقط يرعاهما لميعادهما. فلما اعتزم الرجلان مغادرة مكة لم يكن لديهما ظلّ من ريب في أن قريشا ستتبعهما. لذلك اعتزم محمد أن يسلك طرقا غير مألوفة، وأن يخرج إلى سفره في موعد كذلك غير مألوف. وكان هؤلاء الشبان الذين أعدّت قريش لقتله يحاصرون داره في الليل مخافة أن يفر.
ففي ليلة الهجرة أسرّ محمد إلى عليّ بن أبي طالب أن يتسجى برده الحضرميّ الأخضر وأن ينام في فراشه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدّي عنه الودائع التي كانت عنده للناس. وجعل هؤلاء الفتية من قريش ينظرون من فرجة إلى مكان نوم النبيّ، فيرون في الفراش رجلا فتطمئن نفوسهم إلى أنه لم يفرّ. فلما كان الثلث الأخير من الليل خرج محمد في غفلة منهم إلى دار أبي بكر وخرج الرّجلان من خوخة في ظهرها، وانطلقا جنوبا إلى غار ثور؛ فاتجاههما نحو اليمن لم يكن مما يرد بالبال.
لم يعلم بمخبئهما في الغار غير عبد الله بن أبي بكر وأختيه عائشة وأسماء ومولاهم عامر بن فهيرة. أمّا عبد الله فكان يقضي نهاره بين قريش يستمع ما يأتمرون بمحمد ليقصّه ليلا على النبيّ وعلى أبيه. وأمّا عامر فكان يرعى غنم أبي بكر، وكان إذا أمسى أراح عليهما فاحتلبا وذبحا. وإذا عاد عبد الله بن أبي بكر من عندهما