محمد وأهل الكتاب- موقفه من النصارى- مجادلته إياهم- وحدة موقف محمد منهم- بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن- دعوة محمد الناس للحج ومجيئهم إلى المدينة من كل صوب- مسيرتهم في نحو مائة ألف إلى مكة- مناسك الحج- خطبة محمد.
[بعد حج أبي بكر بالناس]
منذ تلا عليّ بن أبي طالب صدر سورة براءة على الحاجّ من مسلمين ومشركين حين حجّ أبو بكر بالناس، ومنذ أذّن فيهم بأمر محمد حين اجتمعوا بمنى أن لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم عهد فهو له إلى مدّته، أيقن المشركون من أهل بلاد العرب جميعا أن لم يبق لهم إلى المقام على عبادة الأوثان سبيل، وأنهم إن يفعلوا فليأذنوا بحرب من الله ورسوله.
وكان ذلك شأن أهل الجنوب من شبه جزيرة العرب حيث اليمن وحضرموت؛ لأن أهل الحجاز وما والاها شمالا كانوا قد أسلموا واستظلّوا براية الدين الجديد. وكان الأمر في الجنوب مقسّما بين الشرك والمسيحية.
فأمّا المشركون فأقبلوا كما رأيت من قبل، يدخلون في دين الله أفواجا ويبعثون وفودهم إلى المدينة فيلقون من النبيّ كل حفاوة بهم تزيدهم على الإسلام إقبالا وتردّ أكثرهم إلى إمارته فتجعله أشدّ على دينه الجديد حرصا.
وأما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد نزلت فيهم مما تلا عليّ من سورة التوبة هذه الآيات:(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)
يقف كثير من المؤرخين، أمام هذه الآيات من سورة التوبة ختام ما نزل من القرآن، يسائلون أنفسهم.
هل أمر محمد عليه السلام في شأن أهل الكتاب بغير ما أمر به من قبل أثناء سني رسالته؟ ويذهب بعض المستشرقين إلى القول بأن هذه الآيات تضع أهل الكتاب والمشركين فيما يشبه المساواة؛ وأن محمدا، وقد ظفر