رد القبائل لمحمد ردا غير جميل- بشائر الفوز من ناحية يثرب- صلات اليهود بالأوس والخزرج- إسلام بعض اليثربيين- وقعة بعاث- بيعة العقبة الصغرى- مصعب بن عمير- عودة مع الحاج إلى مكة بعد عام- المسلمون من يثرب- بيعة العقبة الكبرى- أنباؤها عند قريش- ائتمار قريش بمحمد كي تقتله- إذن محمد لمسلمي مكة في الهجرة إلى يثرب.
[تضعضع المسلمين بعد الإسراء]
لم تدرك قريش معنى الإسراء، ولم يدرك كثير ممن أسلموا معناه الذي قدّمنا، لذلك انصرف جماعة من هؤلاء عن متابعة محمد بعد أن اتبعوه زمنا طويلا. ولذلك ازدادت مساآت قريش لمحمد وللمسلمين حتى ضاقوا بها ذرعا. ولم يبق لمحمد رجاء في نصرة القبائل إيّاه بعد إذ ردّته ثقيف من الطائف بشرّ جواب، وبعد إذ ردّته كندة وكلب وبنو عامر وبنو حنيفة لمّا عرض نفسه عليهم في موسم الحج. وشعر محمد بعد ذلك كله بأنه لم يبق له مطمع في أن يهدي إلى الحق من قريش أحدا. ورأت غير قريش، من القبائل التي تجاور مكة والتي تجيء من مختلف أنحاء بلاد العرب حاجّة إليها، ما صار إليه من عزلة، وما أحاطته به قريش من عداوة تجعل كل نصير له عدوّا لها وعونا عليها، فإزدادت إعراضا عنه. ومع اعتزاز محمد بحمزة وعمر، ومع طمأنينته إلى أن قريشا لن تنال منه أكثر مما نالت لمنعته بقومه من بني هاشم وبني عبد المطلب، لقد رأى رسالة ربه تقف في دائرة من اتبعه إلى يومئذ ممن يوشكون لقلتهم ولضعفهم أن يبيدوا أو أن يفتنوا عن دينهم إذا لم يأتهم نصر الله والفتح. وتطاولت الأيام بمحمد وهو يزداد بين قومه عزلة وقريش تزداد عليه حقدا. فهل ضعضعت هذه العزلة من نفسه أو أوهنت له عزما؟!
[ثبات محمد]
كلا! بل زاده الإيمان بالحق الذي جاءه من ربه سمّوا على هذه الاعتبارات التي تفتّ في عضد ذوي النفوس العادية، ولا تزيد أصحاب النفوس الممتازة إلا سموّا وإيمانا. وظلّ محمد، وأصحابه من حوله، أشدّ ما يكون في عزلته ثقة بنصر الله له وإعلاء دينه على الدين كله. لم تزعزع منه أعاصير الحقد، بل جعل يقيم بمكة طوال عامه لا يعنيه أن ذهب مال خديجة وماله، ولا يضعضع من نفسه ضيق ذات يده، ولا يتطّلع بروحه إلى شيء غير هذا النصر الذي لا ريب عنده في أن الله مؤتيه إياه. فإذا جاء موسم الحج واجتمع الناس من