تالب هوازن وثقيف بإمرة مالك بن عوف- تحصينهم بمضيق وادي حنين- خروج المسلمين إلى حنين تعجبهم كثرتهم- دخول المسلمين من مضيق الوادي في عماية الصبح- ضرب هوازن وثقيف إياهم من المرتفعات وارتدادهم منهزمين- ثبات محمد إلى الموت- صياح العباس بالمسلمين كي يعودوا- عودهم إلى رسول الله ومقاتلتهم وانتصارهم- الفيء- المسير إلى الطائف- حصارها وعدم إمكان اقتحامها- تحريق نخيلها- استرحامها النبي- رجوعه عن الحصار- إسلام هوازن- حديث الشيماء- العود إلى الجعرانة وقسمة الفيء- العمرة- العودة إلى المدينة.
[مسيرة مالك بن عوف لقتال المسلمين]
أقام المسلمون بمكة بعد فتحهم إيّاها فرحين بنصر الله إياهم، مغتبطين أن لم يسفك في هذا النصر العظيم إلا الدم القليل، مسارعين إلى البيت الحرام كلما أذّن بلال بالصلاة، متدافعين حول رسول الله حيث أقام وحيث ذهب. يغشى المهاجرون منهم دورهم ويتّصلون بأهليهم الذي هدى الله بعد الفتح، ونفوسهم جميعا مطمئنة إلى أن الأمر قد استقرّ للإسلام، وأن الجانب الأكبر من الجهاد قد كلل بالفوز والظفر. وإنهم لكذلك بعد خمسة عشر يوما من مقامهم بأمّ القرى إذ ترامت إليهم أنباء أيقظت استنامتهم للغبطة! تلك أن هوازن كانت تقيم على مقربة من مكة إلى جنوبها الشرقي في جبال هناك، فلمّا علمت بما تمّ للمسلمين من فتح مكة ومن تحطيم أصنامها. خشيت أن تدور عليها الدائرة وأن يقتحم المسلمون عليها منازلها، ففكرت فيما تصنع لاتقاء هذه الكارثة الوشيكة الوقوع ولصدّ محمد والكفّ من غلواء المسلمين الذين يعملون للقضاء على استقلال قبائل شبه الجزيرة وعلى ضمها كلها في وحدة يظلها الإسلام، لذلك جمع مالك بن عوف النّصري هوازن وثقيفا، كما اجتمعت نصر وجشم، ولم يتخلف عن الاجتماع من هوازن إلا كعب وكلاب. وكان في جشم دريد بن الصّمّة. وكان يومئذ شيخا كبيرا لا نفع منه في الحرب، ولكنما كان الانتفاع برأيه بعد الذي عركه على السنين في وقائعها. اجتمعت هذه القبائل كلها ومعها أموالها ونساؤها وأبناؤها، وتمّ جمعها حين نزلت سهل أوطاس. فلما سمع دريد رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاء، سأل مالك بن عوف: لم ساق مع المحاربين أموالهم ونساءهم وصغارهم؟ فلما أجابه مالك بأنه إنما أراد أن يشجع بها المحاربين، قال دريد: وهل يردّ المنهزم شيء! إنها إن كانت لك لم ينفعك لا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. واختلف هو ومالك. وتبع الناس مالكا، وكان شابّا في الثلاثين من عمره قويّ الإرادة ماضي العزيمة، وتابعهم دريد ما يردّ لهم، على رغم سابقته في الحرب، رأيا. وأمر مالك الناس