فأرادوا أن يصوّروا محمدا عظيما في كل شيء، عظيما حتى في شهوات الدنيا. وهذا تصوير خاطئ ينكره تاريخ محمد أشد إنكار، وتأبى حياته كلها أن تقرّه.
[إلى الخمسين لم يتزوج غير خديجة]
فهو قد تزوج خديجة وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وهو في شرخ الصّبا وريعان الفتوة ووسامة الطلعة وجمال القسمات وكمال الرجولية. مع ذلك ظلّت خديجة وحدها زوجة ثمانيا وعشرين سنة حتى تخطّى الخمسين، هذا على حين كان تعدد الزوجات أمرا شائعا بين العرب في ذلك العهد. وعلى حين كان لمحمد مندوحة في التزوّج على خديجة، أن لم يعش له منها ذكر، في وقت كانت توأد فيه البنات، وكان الذكور وحدهم هم الذين يعتبرون خلفا. وقد ظل محمد مع خديجة سبع عشرة سنة قبل بعثه وإحدى عشرة سنة بعده وهو لا يفكر قط في أن يشرك معها غيرها في فراشه. ولم يعرف عنه في حياة خديجة ولم يعرف عنه قبل زواجه منها أنه كان ممن تغريهم مفاتن النساء في وقت لم يكن فيه على النساء حجاب، بل كانت النساء يتبرّجن فيه ويبدين من زينتهنّ ما حرم الإسلام من بعد ... فمن غير الطبيعي أن تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب الذي يجعله ما يكاد يرى بنت جحش، وعنده نساء خمس غيرها من بينهنّ عائشة التي أحب وظل يحب طوال حياته، حتى يفتن بها وحتى تستغرق تفكيره ليله ونهاره. وليس من الطبيعي أن تراه، وقد تخطّى الخمسين، يجمع في خمس سنوات أكثر من سبع زوجات، وفي سبع سنوات تسع زوجات، وذلك كله بدافع من الرغبة في النساء، رغبة صوّرها بعض كتاب المسلمين، وحذا الإفرنج حذوهم، تصويرا لا يليق في ضعته برجل مادّي بله عظيم استطاعت رسالته أن تنقل العالم وأن تغيّر مجرى التاريخ، وما تزال على استعداد لأن تنقل العالم مرّة أخرى وتغير مجرى التاريخ طورا جديدا.
[خديجة وحدها التي أعقبت]
وإذا كان هذا عجيبا وكان غير طبيعي، فمن العجيب كذلك أن نرى محمدا تلد له خديجة ما ولدت من بنيه وبناته إلى ما قبل الخمسين، وأن نرى ماريّة تلد له إبراهيم وهو في الستين، وإلّا تلد غير هاتين من نسائه، وكلهنّ بين شابّة في مقتبل العمر لا يمنع من ناحيتها ولا من ناحيته أن تحمل وأن تلد، وبين امرأة كملت لها أنوثتها فتخطّت الثلاثين أو تخطّت الأربعين وكان لها ولد من قبل. فكيف تفسّر هذه الظاهرة العجيبة من ظاهرات حياة النبيّ، هذه الظاهرة التي لا تخضع للقوانين الطبيعية في تسع نسوة جميعا؟! هذا وقد كانت نفس محمد، باعتبار أنه إنسان، تميل من غير ريب إلى أن يكون له ولد، وإن كان مقام النبوّة والرسالة قد جعله من الناحية الروحية أبا للمسلمين جميعا.
[زواج سودة بنت زمعة]
ثم إن التاريخ ومنطق حوادثه أصدق شاهد بكذب رواية المبشرين والمستشرقين في شأن تعدّد زواج النبي. فهو كما قدّمنا، لم يشرك مع خديجة أحدا مدى ثمان وعشرين سنة. فلما قبضها الله إليه تزوّج سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس. ولم يرو راو أن سودة كانت من الجمال أو من الثروة أو المكانة بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثرا في زواجه منها. إنما كانت سودة زوجا لرجل من السابقين إلى الإسلام الذين احتملوا في سبيله الأذى والذين هاجروا إلى الحبشة بعد أن أمرهم النبيّ بالهجرة وراء البحر إليها. وقد أسلمت سودة وهاجرت معه، وعانت من المشاقّ ما عانى، ولقيت من الأذى ما لقي. فإذا تزوّجها