[الفصل الثامن والعشرون عام الوفود وحج أبي بكر بالناس]
دخول العرب أفواجا في دين الله- إسلام عروة بن مسعود الثقفي وقتل أهل الطائف له- أخذ القبائل المجاورة الطريق على ثقيف- وفدها إلى النبي وشروطه- إسلام الوفد وإسلام الطائف وهدم صنمها اللات- حج أبي بكر بالناس- لحاق علي بن أبي طالب به- سورة براءة- أساس الدولة الإسلامية المعنوي- الجهاد في الإسلام وتسويغه.
[أثر تبوك وميل العرب إلى الإسلام]
بغزوة تبوك تمّت كلمة ربك في شبه جزيرة العرب كلها، وأمن محمد كل عادية عليها. والحق أنه لم يكد يستقرّ بعد أن عاد من هذه الغزوة إلى المدينة حتى بدأ كل من أقام على شركة من أهل شبه الجزيرة يفكّر. ولئن كان المسلمون، الذين صحبوا محمدا في مسيره إلى الشام كابدوا من صنوف المشاق واحتملوا من القيظ والظمأ أهوالا، قد عادوا وفي نفوسهم شيء من السخط أن لم يقاتلوا ولم يغنموا بسبب انسحاب الروح إلى داخل الشام ليتحصنوا بمعاقلهم فيها- لقد ترك هذا الانسحاب في نفوس قبائل العرب المحتفظة بكيانها وبدينها أثرا عمقا، وترك في نفوس قبائل الجنوب باليمن وحضرموت عمان أثرا أشدّ عمقا. أليس الروم هؤلاء هم الذين غلبوا الفرس واستردّوا منهم الصليب وجاؤا به إلى بيت المقدس في حفل عظيم، وفارس كانت صاحبة السلطان على اليمن وعلى البلاد المجاورة لها أزمانا طويلة! فإذا كان المسلمون على مقربة من اليمن ومن غيرها من البلاد العربية جمعاء، فما أجدر هذه البلاد بأن تتضامّ كلها في تلك الوحدة التي تستظلّ بعلم محمد، علم الإسلام، لتكون بمنجاة من تحكم الروم والفرس جميعا! وماذا يضرّ أمراء القبائل والبلاد أن يفعلوا وهم يرون محمدا يثبّت من جاءه معلنا الإسلام والطاعة في إمارته وعلى قبيلته؟! فلتكن السنة العاشرة للهجرة إذا سنة الوفود، وليدخل الناس في دين الله أفواجا، وليكن لغزوة تبوك ولانسحاب الروم أمام المسلمين من الأثر أكثر مما كان لفتح مكة والانتصار في حنين وحصار الطائف.
[إسلام عروة بن مسعود]
ومن حسن صنيع القدر أن كانت الطائف- التي قاومت النبيّ في أثناء حصارها ما قاومت حتى انصرف المسلمون عنها دون اقتحامها- هي أوّل من أسرع إلى إعلان الطاعة بعد تبوك، وإن تردّدت طويلا في إعلان هذه الطاعة. فقد كان عروة بن مسعود، أحد سادة ثقيف المقيمين بالطائف، غائبا باليمن في أثناء غزو النبيّ بلاده بعد موقعة حنين. فلمّا عاد إلى موطنه ورأى النبيّ انتصر في تبوك وعاد إلى المدينة، أسرع إليه يعلن